إعلان

هكذا كانت نتائج فتح السلطان محمد الفاتح للقسطنطينية

نتائج فتح القسطنطينية

هكذا كانت نتائج فتح السلطان محمد الفاتح للقسطنطينية

كان لسُقوطُ القسطنطينيَّة دويٌّ كبير، سواء في الشرق أو في الغرب، كما يُعدُّ أحد أكبر وقائع التاريخ العالمي، وحدًّا فاصلًا بين تاريخ العُصور الوسطى وتاريخ العُصور الحديثة.

يقول جمال الدين الكيلاني: "يكاد يجمع المؤرخين أنه بفتح القسطنطينية تنتهي العصور الوسطى الأوروبية وندخل في العصور الحديثة حيث تنبهوا لأهمية تحول المدينة إلى إسلامية حيث شكلت أكبر خطر على أوروبا طول الفترة اللاحقة".

على الشرق الإسلامي :

عمَّ الفرح العالم الإسلامي، وابتهج المُسلمون ابتهاجًا عظيمًا لتحقق نبوءة الرسول مُحمَّد، واحتُفل بهذا النصر في الحواضر الكُبرى، وكان هذا، في حقيقة الأمر، توطئة للنفوس لتقبُّل الزَّعامة التُركيَّة العُثمانيَّة الإسلاميَّة الناشئة، فمُنذُ سنوات لم تُحرز أيَّة دولة إسلاميَّة انتصارًا مُدويًا كهذا. شكَّل فتحُ القسطنطينيَّة عامل دعم للمُمتلكات الجديدة في الدولة العُثمانيَّة، وفرض هيبتها على العالمين الإسلامي والمسيحي، إذ أنَّ العمل الاستراتيجي الذي أدَّاه كان بمثابة كسر حاجز تاريخي استعصى على المُسلمين كثيرًا من خلال حصاراتهم المُتعددة له مُنذُ العُهود الإسلاميَّة الأولى، وبذلك تحطَّم الجدار الأوروپيّ الأوَّل جُغرافيَّا أمام زحف المُسلمين باتجاه أوروپَّا.

على الغرب المسيحي :

كان لفتح القسطنطينيَّة تأثيرًا كبيرًا جدًّا على مُستقبل أوروپَّا، بحيثُ اهتزَّ كُلُّ عرشٍ في هذه القارَّة، وانتاب المُلوك والأمُراء شعورٌ بالهلع والألم والخزي بعد أن سقط الحصن الذي طالما حمى أوروپَّا من آسيا أكثر من ألف سنة، وتجسَّم لهم خطر المُسلمين وتهديدهم، وتوجَّسوا أن يكون انتصار السُلطان العُثماني بدايةً لتوغّل العُثمانيين في أوروپَّا، فراحوا يتتبعون خُطواته وحركاته بقلقٍ واهتمامٍ بالغين، ونهضوا يستفزّون بعضهم بعضًا عن طريق الشعر والأدب والمسرحيَّات وعقد الاجتماعات والمؤتمرات، وأدركوا أنَّ القوَّة والعقيدة الإسلاميتين اللتين أملوا في ردِّهما إلى داخل آسيا قد شقَّتا الآن طريقهما على جُثَّة بيزنطية، وعبرتا البلقان إلى أبواب المجر، وإذا ما خضعت هذه البلاد للمُسلمين فُتحت أمامهم طريق إيطاليا وألمانيا.

رأت البابويَّة، التي حلمت بإخضاع جميع النصارى الشرقيين لحُكم روما، بفزع، سُرعة تحوُّل الملايين من سُكَّان جنوبي شرقي أوروپَّا إلى الإسلام، وكتب البابا نقولا الخامس إلى جميع الحُكَّام الأوروپيين طالبًا منهم طرح الخلافات وتوحيد الجُهود ضدَّ العُثمانيين، والعمل على تشكيل حلفٍ صليبيِّ آخر، لكنَّهُ توفي قبل أن يُتمَّ هذه الخطَّة، فحاول خليفته البابا پيوس الثاني تجديد الهمم، لكنَّ النزاعات بين مُلوك أوروپَّا وأمرائها حالت دون تحقيق الهدف. واعتبر البعض أنَّ التقاعس الغربي عن نجدة بيزنطية وعن التوحد في وجه العُثمانيين يوضح أنَّ فكرة الحرب الصليبيَّة لم تعد مُجدية في نظر أوروپَّا. بالإضافة إلى ما سلف، انتشرت فكرة في الأوساط الشعبيَّة والكنسيَّة الأوروپيَّة مفادها أنَّ سقوط القسطنطينيَّة هو بمثابة عقاب أوقعه الله بالروم بسبب هرطقتهم وانفصالهم عن كنيسة روما.

على الشرق المسيحي :

تعددت تفسيرات الأرثوذكس الشرقيّون والمشرقيّون (وبالأخص الروم) لهذا الحدث، لكنَّهم اعتبروا عمومًا أنَّ الإمبراطوريَّات زائلة فيما أقرّوا أنهم لم يقوموا بواجبهم المسيحي، بل أخطأوا بحق الله. غير أنَّهم رأوا أنَّ مسؤوليَّة الهزيمة تقع في كُلِّ حال على قياداتهم السياسيَّة (والكنسيَّة بنسبةٍ أقل) مما لا يؤثر بشيء في صحَّة إيمانهم واستمرارهم في المُحافظة عليه. وسُرعان ما برزت في صفوف الأرثوذكس ثلاثة اتجاهات فكريَّة - سياسيَّة - دينيَّة: الاتجاه الأوَّل هو اتجاه "الوعي المسيحي" الذي اعتبر أنَّ الحفاظ على الهويَّة المسيحيَّة تحت الحُكم الإسلامي لم يكن مُمكنًا من غير التأكيد على العلاقات التي تشدّ النصارى من الشرق والغرب إلى بعضهم، لذلك سلك دُعاته طريقًا وحدويًّا على الصعيدين الفكري والكنسي، والاتجاه الثاني كان "الاتجاه المُحافظ" الذي شدَّد على أرثوذكسيَّة أمينة على التُراث ومُتميَّزة بوضوح عن الكاثوليكيَّة وبالوقت نفسه مُبرزة للخصوصيَّة المسيحيَّة إزاء الإسلام، أمَّا الاتجاه الثالث فهو "اتجاه الوعي الشرقي" حسب تعبير بعض المؤرخين، وهو يتَّسم بالعداء للغرب المسيحي وبالبحث على سُبل التوفيق بين المسيحيَّة الأرثوذكسيَّة والإسلام أو يسعى لنوعٍ من التكييف المُتبادل الذي يسمح بالتعاون بينهما ضد الخصم المُشترك.

ففي السنة التي سقطت فيها القسطنطينيَّة، كتب جرجس ديتريبيزوندي إلى السُلطان مُحمَّد الفاتح يقترح عليه أن يدعو إلى مجمع إسلامي - مسيحي يشترك فيه أهل الشرق كُلِّه، ويهدف بالنهاية إلى وحدة البشر تحت راية إيمان واحدة. وتتأسس هذه الدعوة على أنَّ الله أعطى القسطنطينيَّة للسُلطان الشاب لكي يُحقق هذه الرسالة النبيلة. أمَّا السبيل إليها فهو إنشاء إمبراطوريَّة شرقيَّة عُظمى حيثُ "القُوَّة الفتيَّة للشعب العُثماني" تُطعّم "الشجرة ذات الجذور العميقة" أي الحضارة البيزنطيَّة المسيحيَّة. على غرار ديتريبيزوندي، يتحدّث فيلسوف يوناني يُدعى جرجس أميروتزاس عن إمكانيَّة قيام إمبراطوريَّة شرقيَّة جديدة تستمد عظمتها وسُلطانها من قوَّة العُثمانيين العسكريَّة والسياسيَّة ومن زخم الفكر البيزنطي وغناه.

روما الثالثة :

خلال بضعة عقودٍ من فتح القسطنطينيَّة، أخذ بعضُ الأعلام الأرثوذكس الشرقيّون يُرشحون مدينة موسكو لتكون "روما الثالثة" أو "روما الجديدة". بدأ هذا الادعاء يُثار خلال عهد أمير الموسقوڤ إيڤان الثالث الكبير، الذي تزوَّج صوفيا پاليولوگ ابنة أخ الإمبراطور قسطنطين الحادي عشر. وبحسب قوانين وأعراف أغلب الملكيَّات الأوروپيَّة حينها، كان باستطاعة إيڤان أن يدّعي أنَّهُ وذُريَّته ورثة العرش البيزنطي، غير أنَّ التقاليد الرومانيَّة القديمة التي كانت تسيرُ عليها الإمبراطوريَّة لم تعترف يومًا بالوراثة التلقائيَّة للتاج، لذا لم يؤخذ ذلك سببًا. أقوى المزاعم والدوافع لوراثة موسكو للقسطنطينيَّة كانت دينيَّةً محض، فالمذهب الأرثوذكسي الشرقي كان محوريًّا عند الروم ويدخل ضمن تعريفهم الشخصي لأنفسهم، واعتبروه الفيصل الذي يُميِّزهم عن "البرابرة"، ولمَّا كان الأمير ڤلاديمير الأوَّل قد حوَّل ديانة الروس الكييڤيّين إلى المسيحيَّة الأرثوذكسيَّة سنة 989م، فإنَّه كان أوَّل بربري يتزوَّجُ بأميرةٍ بيزنطيَّة، وبالتالي كانت كُل ذُريَّته من بعده ذُريَّة ملوكٍ من نسلٍ روسيِّ وبيزنطيٍّ. وشارك الروس الكاثوليك الغربيين في فكرة العقاب الإلهي، غير أنَّهم نسبوها إلى أسبابٍ مُعاكسة، فالروم حسب أبناء مذهبهم الروس، خضعوا لضغوط روما ووافقوا على وحدة الكنيسة في مجمع فلورنسا الذي بدأ في فيراري سنة 1432م وانتهى سنة 1438م، فانتزع الله منهم الرئاسة على مجموع الأرثوذكس، وباتت موسكو روما الثالثة.

على التاريخ العالمي :

هجر الفن البيزنطي موطنه، وأخذت هجرة العُلماء الروم إلى إيطاليا وفرنسا، التي كانت قد بدأت سنة 799هـ المُوافقة لسنة 1397م، تزداد وتُثمر في إيطاليا، ونتج عنها الدعوة إلى إنقاذ اليونان القديمة، وكان ذلك من بواعث النهضة الحديثة في أوروپَّا. وكان المهاجرون البيزنطيين من النحاة والإنسانيين والشعراء والكتّاب والمهندسين المعماريين والأكاديميين والفنانين والفلاسفة والعلماء وعلماء الدين؛ قد جلبوا إلى أوروپَّا الآداب والمعارف والدراسات النحويَّة والعلميَّة اليونانية القديمة. ونتيجةً لما سببتهُ هذه الهجرة من تقدّمٍ ملحوظ في الغرب وتحوّلاتٍ في أنماط الحياة لاحقًا، إضافةً إلى هول الحدث نفسه، اعتبره المؤرخون خاتمة القرون الوسطى وفاتحة القرون الحديثة.

ظهور الأساطير :

أدّى سقوطُ القسطنطينيَّة في يد المُسلمين إلى ولادة عددٍ من الأساطير، في اليونان خصوصًا، ترتبطُ بهذا الموضوع. ففي ليلة 14 جمادى الأولى سنة 857هـ المُوافقة ليوم 22 أيَّار (مايو) 1453م، حصل خسوفٌ كاملٌ للقمر اعتُبر نذير شؤم وإشارة إلى أنَّ نهاية المدينة قد حلَّت. وبعد أربعة أيَّام تغطَّت المدينة بضبابٍ كثيف، وهذه ظاهرة مُناخيَّة غير مألوفة في هذه الناحية من العالم، وبعد أن انقشع الضباب ذلك المساء، لاحظ عددٌ من الناس ضوءًا غريبًا يتلألأ على قبَّة آيا صوفيا، وفسَّرهُ البعض على أنَّ الروح القدس تُغادرُ المدينة، بينما فسَّره آخرون تفسيرًا أكثر تفاؤلًا، فقالوا أنَّ هذه ما هي إلَّا انعكاسٌ لنيران مُعسكر حاكم المجر يوحنا هونياد الذي أتى لإنقاذ المدينة التعيسة. يقترحُ بعض الباحثون تفسيرًا علميًّا مُعاصرًا لهذه الظاهرة، فقالوا أنَّ تلك الأضواء ليست إلَّا شرر القديس إلمو، وهي ظاهرة مُناخيَّة طبيعيَّة يتسبب بها التيَّار الكهربائي المُختزن بالضباب.


اعتقد عددٌ من الروم بأنَّ كاهنين كانا يتلوان القدَّاس الإلهي بحضور بعض أبناء المدينة في آيا صوفيا عندما دخل العُثمانيّون المدينة، فانشق حائط الكاتدرائيَّة ودخلا فيه مع الأيقونات المُقدَّسة، وفي اعتقادهم أنَّ الحائط ينشق ثانيةً يوم يخرج المُسلمون من القسطنطينيَّة وترجع إلى كنف العالم المسيحي. من الأساطير الأُخرى أُسطورةٌ تُشيرُ إلى "الملك الرُخامي" وهو قسطنطين الحادي عشر، وفي هذه الأُسطورة أنَّ ملاكًا ظهر ما أن دخل العُثمانيّون المدينة وأنقذ الإمبراطور بأن حوَّله إلى تمثالٍ رُخاميّ ووضعهُ في كهفٍ تحت الأرض على مقرُبة من البوَّابة الذهبيَّة حيثُ ينتظرُ أن يوقظه أحد.

المصدر : ويكيبيديا + مواقع إلكترونية.


الإبتساماتإخفاء