إعلان

ماذا تعرف عن النيتروجين ؟

النيتروجين

ماذا تعرف عن النيتروجين ؟

من بديع صُنع الله في هذا الكون أنّه أحاط الكرة الأرضية وغَلَّفَها بطبقةٍ من الهواء تَمتَد مسافة 880كم فوق سطح الأرض؛ لتَحمِيها من الأشعّة الضارّة، وتُخَفّف من حِدةِ حرارة الشَّمس، كما أنّ هذا الهواء ضروري لعيش وتنفّس الكائنات الحيّة، وحركة السُّفن، والقضاء على الميكروبات وتلقيح النباتات، ومهم لدورة الماء في الطبيعة.

تتكوّن طبقات الهواء من عنصرين رئيسيين هما: غاز الأكسجين بنسبة 21%، وغاز النيتروجين بنسبة78%، وما تبقّى هو خليطٌ من بخار الماء وثاني أكسيد الكربون والغازات الخاملة كالأرجون والنيون.

فالنيتروجين يعتبر المُكَون الأساسيّ للهواء بنسبةٍ تصل إلى 78%، وهو أحد عناصر الجدول الدوري الكيميائي، ويقع في المجموعة الخامسة، وفي الدورة الثانية، ويَحمِل الرمز N، عدده الذريّ هو 7، ووزنه الذريّ 14، وهو عنصر لا فلزّي يوجد على شَكل جزيء في الطبيعة N 2 على هيئة غاز.

تاريخ اكتشاف النيتروجين :

عرفت مركبات النتروجين منذ العصور الوسطى، فقد عرف جابر بن حيان حمض النتريك باسم ماء النار (aqua fortis)، كما عرف الماء الملكي (aqua regia)، وهو مزيج من حمض النتريك مع حمض الهيدروكلوريك، وسمي بالملكي لقدرته على إذابة الذهب. استعملت مركبات النتروجين لاحقاً في تحضير البارود ثم في صناعة الأسمدة.
اكتشف غاز النتروجين من قبل العالم دانيال رذرفورد سنة 1772، والذي أسماه حينها الهواء المضر أو المؤذي noxious air، وذلك على الرغم من أنه لم يكن يعتبره كعنصر كيميائي مستقل، لكنه ميّزه عن الهواء المُثَبَّت، والذي كان يقصد به غاز ثنائي أكسيد الكربون في تلك الأحيان، حيث أن حقيقة أن هناك مكوّن للهواء لا يساعد على الاحتراق كانت معروفة بالنسبة لرذرفورد. في الوقت نفسه تقريباً، دُرس النتروجين من قبل العلماء كارل فلهلم شيله وهنري كافنديش وجوزيف بريستلي، والذين أقروا أن النتروجين جزء من الهواء، وأشاروا إليه باسم الهواء المحروق أو هواء الفلوجستون. بالمقابل، قام أنطوان لافوازييه بتسمية ذلك الغاز الخامل الذي يطفئ اللهب ويميت الحيوانات باسم آزوت azote، وذلك من الكلمة الإغريقية ἄζωτος آزوتوس بمعنى لا حياة. ولا يزال يشار إلى عنصر النتروجين باسم الآزوت في بعض اللغات مثل الفرنسية والإيطالية والروسية والتركية. بالمقابل يشار إلى هذا العنصر في اللغة الألمانية باسم Stickstoff، بمعنى المادة المطفئة للهب.

أما كلمة نتروجين فقد ابتدعت من الكيميائي جان أنطوان شابتال وذلك من الإغريقية νίτρον نطرون (والتي كانت تشير إلى مصطلح يشمل ملح النتر، وفي الوقت نفسه إلى كربونات الصوديوم، إذ لم يكن يميز بينهما)، ومن -γενής جين بمعنى مولّد؛ أي أن الكلمة تحمل معنى مولّد النتر. كان شابتال يريد بذلك الإشارة إلى النتر، وهي المادة الكيميائية (نترات البوتاسيوم) التي كانت لازمة من أجل إنتاج حمض النتريك، والذي كان قد اكتشف أنه يحوي على غاز النتروجين.

مع تطور البحث العلمي، دخل النتروجين في العديد من التجارب الفيزيائية والكيميائية. ففي سنة 1910 قام جون ويليام ستروت، المعروف باسم لورد رايلي، بالقيام بتجربة اكتشف فيها النتروجين الفعّال، وهو تعبير استخدمه للإشارة إلى النتروجين الذرّي، والذي هو عبارة عن متآصل أحادي الذرة للنتروجين تحصّل عليه في جهاز أنبوب التفريغ على شكل غمامة ذات لون أصفر ساطع. لم يدم التشكل طويلاً، إذ سرعان ما تفاعل بدوره بشكل انفجاري مع الزئبق، حيث تشكّل نتريد الزئبق.

أدى تطوّر التقنيات الصناعية إلى ظهور تقنيات سهّلت من عملية تثبيت النتروجين مثل عملية فرانك-كارو (1895–1899) وعملية أوستفالد (1902) وعملية هابر-بوش (1908–1913)، مما سهّل من إمكانية استحصال مركبات النتروجين المختلفة.

وفرة النيتروجين في الطبيعية :

يشكّل غاز النتروجين (N2) أكبر نسبة في الغازات المكوّنة للغلاف الجوّي للأرض، حيث أنّ نسبته تبلغ 78.08% حجماً في الهواء الجاف، و75.53% وزناً في الهواء الجاف. أمّا في القشرة الأرضية فإن النتروجين قليل الوفرة الطبيعية نسبياً، إذ أن المعادن الحاوية على النتروجين غالباً ما تكون على شكل أملاح مثل نترات البوتاسيوم (ملح بيتر) أو نترات الصوديوم (ملح تشيلي) أو كلوريد الأمونيوم (ملح النشادر)، وجميع هذه الأملاح منحلّة، لذلك يندر وجود ترسبات معدنية منها.

إن النتروجين هو عنصر شائع الانتشار في الكون، إذ يقدّر أن ترتيبه السابع من حيث وفرة العناصر الكيميائية بالنسبة لكتلتها في درب التبانة. ينشأ عنصر النتروجين في الكون نتيجة تفاعلات الانصهار النجمي وذلك من عنصري الهيدروجين والكربون في المستعرّات الأعظمية، وفي النجوم عن طريق دورة CNO. اكتشفت آثار من النتروجين الجزيئي ومركّبات النتروجين في الوسط بين النجمي وذلك باستخدام المقراب الفضائي (FUSE). كما يدخل النتروجين الجزيئي في تركيب الغلاف الجوي لقمر تيتان الذي يدور في فلك كوكب زحل.

يدخل النتروجين في تركيب كافة المتعضيات الحية، فهو مكوّن أساسي للبروتينات والأحماض النووية، وجزيئات حيوية أخرى مثل الإنزيمات. يشكّل النتروجين عادةً ما بين 2 - 6% من الوزن الجاف للمادة النباتية، ووسطياً حوالي 1.5%. يوجد النتروجين بكميّات وفيرة في فضلات الحيوانات وذرق الطيور، وذلك على شكل يوريا وحمض اليوريك وعلى شكل أملاح الأمونيوم.

الدور الحيوي للنيتروجين  :

إن النتروجين هو من العناصر المهمة لوجود الحياة على سطح الأرض، إذ أنه يدخل في تركيب الأحماض الأمينية والنووية. لا يمكن للنباتات أو الحيوانات أن تحصل على عنصر النتروجين من الغلاف الجوي مباشرة، حيث ينبغي الحصول عليه على شكل مركبات، بعملية تدعى تثبيت النتروجين. تعد الهطولات على اختلافها أحد المصادر الطبيعية التي تجلب كميات من الأمونيوم والنترات إلى سطح الأرض، وذلك أثناء تشكلها في طبقات الجو عند حدوث البرق. إن أغلب النتروجين المثبّت الموجود في التربة والذي يصل إلى جذور النباتات يكون على شكل نترات، في حين أن الأمونيوم يستهلك من نباتات الظلة.

هناك أنواع خاصة من البكتريا (مثل ريزوبيا Rhizobium trifolium) لها القدرة على تثبيت النتروجين، وذلك بسبب وجود إنزيم نتروجيناز، والذي يستطيع تحويل غاز النتروجين إلى شكل الأمونيوم الكثر فائدة بالنسبة للمتعضيات العليا. يمكن لهذه البكتريا أن تعيش بشكل منفرد وحر في التربة مثل الآزوتية، ولكنها عادة ما تدخل في علاقة تعايش في العقد الجذرية في النباتات البقلية (مثل الفول والنفل وغيرها)، في بعض النباتات من الفصائل الأخرى مثل النغت وكازارينا والنباتات الكبدية. يقوم مبدأ التعايش هنا على تقديم البكتريا للنتروجين على شكل مثبت، والذي يكون غالباً على شكل أمونيوم، والذي يحول في النبات إلى أحماض أمينية لتشكيل البروتينات وجزيئات حيوية أخرى. بالمقابل، فإن النبات يفرز السكر إلى البكتريا كي تؤمن غذائها.

تستطيع النباتات أن تستفيد من النتروجين على شكل نترات بشكل مباشر، والذي يمكن أن يكون موجوداً في التربة من الترسبات الطبيعية للمعادن، أو من الأسمدة التركيبية، أو من فضلات الحيوانات، أو من التحلل العضوي. تتحوّل كمية النترات الممتصة على هذه الشاكلة إلى نتريت عن طريق إنزيم نترات ريدوكتاز (مختزل النترات)، ومن ثم يتحول إلى الأمونياك عن طريق إنزيم آخر وهو نتريت ريدوكتاز (مختزل النتريت).
إن مركبات النتروجين مهمة جداً وأساسية في التركيب الحيوي للنباتات والحيوانات. تستخدم الحيوانات الأحماض الأمينية الحاوية على النتروجين من مصادر نباتية كأساس لكافة التفاعلات الكيميائية الحيوية المعتمدة على النتروجين، مثل اصطناع البروتينات والأحماض النووية. تكون الحشرات التي تتغذى على النباتات معتمدة على كمية النتروجين في نظامها الغذائي، بحيث أنه في حال تغيير كمية السماد الآزوتي المقدم إلى النبات فإن ذلك يؤثر على معدل التناسل لتلك الحشرات المتغذية على ذلك النبات. للجذر الكيميائي الحر أكسيد النتريك NO دوراً مهماً في فيزيولوجيا الحيوانات.

يؤدي استقلاب البروتينات الحاوية على النتروجين عند الحيوانات إلى إخراج (الإفراغ) على شكل يوريا، أما استقلاب الأحماض النووية فيعطي بالإضافة إلى اليوريا مركب حمض اليوريك. إن الرائحة المميزة لتحلل اللحم الحيواني يعود إلى تشكل مركبات أمينية طويلة السلسلة مثل بوتريسكين وكادافيرين، والتي هي بدورها نواتج تكسير الأحماض الأمينية أورنيثين ولايسين، على الترتيب، وذلك من البروتينات المتحللة.

يعطي التحلل الحيوي في النهاية النتروجين على شكل غاز N2 والذي يعود إلى الغلاف الجوي ليغلق ما يسمى دورة النتروجين.

مخاطر استعمال النيتروجين :

إن الإطلاق السريع لغاز النتروجين في حجرة أو مكان مغلق يمكن أن يزيح الأكسجين، مما يشكل بالتالي خطر الاختناق، ويحدث ذلك مع وجود أعراض محذّرة قليلة، إذ أن الجسم السباتي في جسم الإنسان ذو نظام استشعاري بطيء نسبياً لنقص الأكسجين.

إن استنشاق غاز النتروجين عند ضغوط جزئية مرتفعة (أكثر من 4 بار، والتي يمكن أن تصادف عند أعماق دون 30 متر تحت سطح البحر في غوص سكوبا) له تأثير تخديري، فيما يعرف باسم تخدير الأعماق، حيث يشعر الغواص بفقدان جزئي للوعي، شبيهة بالتي تحصل عند استنشاق أكسيد النتروس. يستطيع النتروجين أن ينحل في مجرى الدم وفي الدهون داخل الجسم. يؤدي تخفيض الضغط المفاجئ، وخاصة في حالة الصعود السريع إلى السطح عند الغواصين، إلى حدوث حالة مرضية خطيرة تعرف باسم مرض تخفيف الضغط، والذي تتشكل فيه فقاعات من غاز النتروجين في مجرى الدم والأعصاب ومناطق حيوية أخرى في الجسم.

يؤدي التلامس المباشر للجلد مع النتروجين السائل إلى حدوث عضة برد (تثليج)، والتي يمكن أن تحدث فوراً، أو تأخذ عدة ثوان، وذلك حسب درجة حرارة السائل. لذلك يجب الانتباه وارتداء قفازات ووسائل الحماية المخبرية عند التعامل مع النتروجين السائل. تستخدم حساسات أكسجين في بعض الأحيان كوسيلة وقاية عند العمل بالنتروجين السائل وذلك من أجل تنبيه العمال عند حدوث انسكاب في مكان محصور.

المصدر : ويكيبيديا + مواقع إلكترونية.


الإبتساماتإخفاء