التاريخ المعماري لجامعة القرويين
من أقدم الجامعات في العالم، وواحدة من أبرز المآثر التاريخية التي تفتخر بها مدينة فاس كعاصمة علمية وروحية للمملكة المغربية. إشعاع هذه المعلمة مستمر منذ نحو 12 قرنا، حيث ظلت موطنا لحركة علمية وفقهية نشطة، ومشتلا لظهور العديد من العلماء العرب والغربيين أيضا.
موقع جامعة القرويين :
تقع جامعة القرويين في القطاع الغربي من مدينة فاس في المغرب. تحولت من مسجد صغير إلى منشأة ضخمة متعددة المرافق بفضل عمليات التوسيع والترميم الكثيرة، ابتداء بالأدارسة ووصولا إلى الدولة العلوية.
بلغت مساحة الجامعة في بادئ الأمر 250 مترا مربعا، بتصميم على شكل شبه مربع على نحو ما عرف في المساجد الإسلامية الأولى، بطول يعادل 39 مترا، وعرض 32 مترا. ثم تم توسيعها في عهد عبد الرحمن الناصر حاكم الدولة الأموية في الأندلس، حيث ضاقت جامعة القرويين عن استيعاب مريديها، فبادر الأمير أحمد بن أبي بكر الزناتي إلى العمل على توسيع مساحة المعلمة بنحو 2748 مترا مربعا.
وخلال مجمع للفقهاء والعلماء انعقد عام 1137 للميلاد، اتفق مرة أخرى على إصلاح الجامعة وتوسيعها، وذلك بعلم الأمير المرابطي علي بن يوسف بن تاشفين، حيث اقتنيت مساحات من الأراضي الملاصقة للمبنى وضُمت إليه.
بعد ذلك، وفي عهود الموحدين والمرينيين والوطاسيين والسعديين، استهدفت التدخلات التأثيث وإنشاء المرافق والتزيين بالثريات وإنشاء النافورة الشهيرة التي تتوسطها. وتواصلت الإصلاحات أكثر من مرة على عهد السلاطين العلويين.
وتتوزع مداخل جامعة القرويين على 17 بابا، من أبرزها باب الشماعين وهو الباب الرئيسي. وتتميز بقبابها الخضراء ومحرابها الخشبي العتيق ونافورتها الدائرية التي تتوسط باحتها، ويتوزع سقفها بين جزء مغطى وجزء مفتوح على السماء.
تبلغ مساحة القرويين اليوم نحو 5845 مترا مربعا.
التاريخ المعماري المبكر :
أسست فاطمة الفهرية المسجد عام 859 ميلادية المُوافق 244 هجرية، ولكن شكله الحالي هو نتيجة لتطور تاريخي طويل على مدى أكثر من 1000 عام. للمبنى الأصلي، الذي ما زالت هناك بعض من آثاره في تصميم المسجد الحالي، والذي يمثل حاليًا المنطقة المركزية لقاعة الصلاة الواقعة جنوب الفناء. بين القرن التاسع والعاشر كان له تصميم أرضي مستطيل يبلغ طوله 36 × 32 مترًا، ويغطي مساحة 1520 مترًا مربعًا، وكان يتألف من قاعة للصلاة مع أربعة ممرات عرضية . يُعتقد أنه كان بها أيضًا فناء صغير الحجم نسبيًا، كما ورد أنَّ المئذنة الأولى، كانت قليلة الارتفاع أيضًا أو متطامنة الإشراف كما يقول الجزنائي، وقد كانت تقع حيث العنزة الحالية والمدخل المركزي لقاعة الصلاة من الصحن. كما كان هناك بئر شماليَّ المسجد في منطقة قريبة من الصحن القديم لتوفير المياه، ومازال موقع البئر معروفًا إلى الآن لدى قيّمي المسجد ينعتونه بالبئر المغمور.
مع نمو مدينة فاس ومع زيادة حظوة المسجد أيضاً، لم يكن المبنى الأصلي كافياً لاحتياجات المدينة الدينية والمؤسسية. لذا فخلال القرن العاشر، تنافست الخلافة الأموية في الأندلس والخلافة الفاطمية في إفريقية باستمرار للسيطرة على فاس والمغرب، التي كانت بمثابة منطقة عازلة بين الاثنين. على الرغم من هذه الفترة غير المستقرة، تلقى المسجد رعاية كبيرة ووُسِّع بشكل ملحوظ. كتب أمير قبيلة زناتة البربرية الأمير أحمد بن أبي سعيد، أو أحمد بن أبي بكر الزناتي حسب الجزنائي، أحد حكام فاس خلال هذه الفترة والذي كان متحالفًا مع الأمويين، إلى الخليفة عبد الرحمن الثالث في قرطبة للحصول على إذن وتمويل لتوسيع المسجد. وافق الخليفة، فهدم الصومعة متطامنة الإشراف وابتدأ العمل في هذه الصومعة الجديدة في 03 رجب 344هـ/27 أكتوبر 955م وأنهيت الأشغال في الربيع الثاني 345 هـ/يوليو 956م. وَسّع هذا العمل المسجد من ثلاث جهات، ليشمل مساحة الفناء الحالي في الشمال وحتى الحدود الشرقية والغربية الحالية للمبنى. كما استبدلت المئذنة الأصلية بمئذنة جديدة أكبر والتي لا تزال قائمة حتى اليوم. يلاحظ أيضًا أن شكلها العام، بعمود مربع، كان مؤشرا على التطور المآذن المغاربية والأندلسية. للإشارة فقد نُفذت أعمال مماثلة أيضًا في عهد عبد الرحمن الثالث وفي نفس الوقت على مسجد الأندلسيين، وهو مسجد كبير الآخر في فاس. زُيّن المسجد مرةً أخرى بالزخارف وذلك عندما قاد الحاكم الأميري المظفر ابن المنصور بن أبي عامر حملة عسكرية إلى فاس في 998م/388هـ. وبني منبرًا جديدًا وقبة جديدةً مزخرفةً بطلمسات على شكل فأر وثعبان وعقرب، ولكن لم تنج أي من هذه الأعمال. وبنى أيضًا السقاية والبيلة المستطيلة التي عن يسار الخارج من باب الحفاة وجلب لهما الماء من وادي حسن.
التاريخ المعماري خلال الفترة المرابطية :
في القرن القرن الثاني عشر نُفذت واحدة من أهم التوسعات والتجديدات بين 529 هجرية المُوافق ل1135م و537 هجرية المُوافق ل1143م تحت رعاية الحاكم المرابطي علي بن يوسف، حيث يدين الشكل الحالي للمسجد بالكثير لهذا العمل. وُسّعت قاعة الصلاة عن طريق تفكيك الجدار الجنوبي الحالي وإضافة ثلاثة ممرات عرضية أخرى، وبذلك ارتفع عددها من 7 إلى 10، مع تكرار شكل الأقواس الموجودة في المسجد. تَطَّلب هذا التوسع شراء وهدم عدد من المنازل والمباني المجاورة، بما في ذلك بعض المنازل التي كانت جزءًا من الحي اليهودي القريب. لم يشمل التوسع الجديد للمسجد فقط محرابًا جديدًا فقط( في منتصف الجدار الجنوبي الجديد، ولكن أيضًا إعادة بناء وتزيين "الصحن" المركزي لقاعة الصلاة المؤدية من الفناء إلى المحراب. لم يقتصر الأمر على تجميل بعض الأقواس بأشكال جديدة فحسب، بل أيضًا إضافة سلسلة من سقوف القبة المتقنة للغاية والمكونة من منحوتات المقرنصات وزينت أيضًا بنقوش معقدة من الزخرفة العربية وحروف الخط الكوفي. وأخيرًا، إِكْتَمَلَ عام 538 هجرية الموافق 1144 ميلادية تركيب منبر جديد، بنمط مشابه ومنشأ فني مماثل للمنبر الشهير لجامع الكتبية. المنبر مصنوع من خشب الصندل والأبنوس والنارنج والعناب وعظم العاج، في عمل متقن من الخشب المطعم، مزين بمواد مرصعة ونقوش الزخرفة العربية المنحوتة بشكل معقد، وهو يمثل عملًا آخر عالي الإنجاز بأسلوب تمت محاكاته للمنابر المغربية اللاحقة، وهو حسب عبد الهادي التازي، أول تحفة في العالم الإسلامي صنعت في مدينة فاس.
في مكان آخر، منح المرابطون مداخل المسجد الرئيسية أبواب مصنوعة من الخشب المغطى بالتوصيلات البرونزية المزخرفة، والتي تعد اليوم من أقدم الأعمال الفنية البرونزية المتبقية في العمارة المغربية / الأندلسية. وتتضمن الباب الغربي الكبير الذي بسماط الموثقين، وقد بُنيً من مال الأحباس في أيام القاضي محمد بن عيسى السبتي سنة 505 هجرية الموافق 1111 ميلادية، وكذلك باب الشماعين أيام القاضي محمد بن داود سنة 518 هجرية الموافق ل1124 ميلادية. كما بنوا منصة خطابة ثانوية صغيرة، تُعرف باسم جامع الجنائز، والتي فصلت عن قاعة الصلاة الرئيسية ومخصصة لتقديم صلاة الجنازة على الميت قبل دفنه. وزودوا بيت الصلاة بمنبر من عود ثمين.
التاريخ المعماري خلال الفترة الموحّديَّة :
استمرت السلالات اللاحقة في تزيين المسجد أو إهدائه مفروشات جديدة، على بالرغم من عدم وجود أعمال جذرية مثل العمل المرابطي. دخل الموحدون مدينة فاس بعد حصار دام سنة واحدة 1145 – 1146 م. أفادت مصادر تاريخية قصة تدعي أن سكان فاس، خوفًا من استياء الموحدين "المتشددين" على الزخرفة الفخمة الموضوعة داخل المسجد، سارعوا إلى تغطية بعض المنحوتات والزخارف المنمقة التي تعود إلى توسعة ابن يوسف قرب المحراب. مع أن الباحث الفرنسي هنري تيراس أشار إلى أن هذه العملية ربما أجرتها سلطات الموحدين بعد بضع سنوات. ولم تكشف زخارف المرابطين بالكامل مرة أخرى إلا خلال تجديدات أوائل القرن العشرين. ومع ذلك، في عهد محمد الناصر (حكم 1199-1213)، قام الموحدون بإضافة أو ترقية عدد من العناصر في المسجد، تميز بعضها بزينة زخرفية قوية. طُورت مرافق الوضوء في الفناء، وذلك بإضافة ميضاء منفصل أو غرفة الوضوء إلى الشمال، وبنيت غرفة تخزين جديدة تحت الأرض. كما استبدلوا الثريا الكبرى للمسجد بأخرى جديدة وأكثر زخرفة بالبرونز، لا تزال الثريا معلقةً في الصحن المركزي للمسجد إلى اليوم.
التاريخ المعماري خلال الفترة المرينية :
قدم المرينيون، الذين كانوا مسؤولين عن بناء العديد من المدارس الفخمة حول فاس، مساهمات مختلفة في المسجد. ففي عام 1286، حيث قاموا بترميم وحماية مئذنة القرن العاشر، التي كانت مصنوعة من حجر رديء الجودة ومتهالك، من خلال تغطيته بالجير المطفأ الأبيض. كما قاموا عند سفحه الجنوبي ببناء دار المؤقت، وهي غرفة لصاحب الوقت في المسجد والتي كانت مسؤولة عن تحديد أوقات الصلاة بدقة. وجُهزت الغرفة بالأسطرلاب وجميع أنواع المعدات العلمية في ذلك العصر للمساعدة في هذه المهمة. كما أُعيد بناء الأروقة حول الفناء القريب في 1283 و1296-97، وفي عام 1289، رُكبت شاشة خشبية مزخرفة تسمى العنزة عند مدخل الفناء إلى قاعة الصلاة ، وكانت بمثابة محراب رمزي "خارجي" أو "صيفي" للصلاة في الفناء.
وفي عام 1337، رُكبت قبة مزخرفة فوق دهليز باب الورد عند المدخل الخارجي المركزي للفناء من جهة الشمال، والتي لا تزال مرئية حتى اليوم.
يعود تاريخ العديد من الثريات المعدنية المزخرفة المعلقة في قاعة صلاة المسجد إلى العصر المريني. صُنعت ثلاثة منها من أجراس الكنيسة التي استخدمها الحرفيون المرينيون كقاعدة وقاموا بتلحيمها بقطع تركيب نحاسية مزخرفة. كان أكبرها، التي رُكبت في المسجد عام 1337، جرسًا أرجعه ابن السلطان أبو الحسن علي بن عثمان، أبو مالك، من جبل طارق بعد استعادته من القوات الإسبانية عام 1333.
وأخيرًا، قام السلطان أبو عنان فارس بتأسيس مكتبة المسجد عام 1350، مع إضافات من السلطان أبو سالم إبراهيم بن علي عام 1361. تقع هذه المكتبة المرينية الأولى في الزاوية الشمالية الشرقية للمسجد.
التاريخ المعماري خلال الفترة السعدية :
قام السعديون بتزيين المسجد بإضافة جناحين بارزين إلى الأطراف الغربية والشرقية من الفناء، كل منهما يحتوي على نافورة جديدة. كان السلطان السعدي الشهير أحمد المنصور مسؤولاً عن بناء الجناح الأول ناحية الشرق في عام 1587-1588، بينما أضاف ابنه محمد الشيخ المأمون عام 1609 الجناح الغربي. تحاكي الأجنحة تلك الموجودة في بهو السباع بقصر الحمراء . كانت هذه آخر إضافة رئيسية لتصميم المسجد. كما بنى السلطان السعدي أحمد المنصور غرفة جديدة للمكتبة على الجانب الجنوبي من المسجد، والتي أُوصلت بالمسجد عبر باب في جدار القبلة.
التاريخ المعماري خلال الفترة العلوية :
استمرت الأسرة العلوية، التي حكمت المغرب منذ القرن السابع عشر إلى اليوم، في إحداث إضافات بسيطة وصيانة منتظمة للمسجد، بما في ذلك إضافة قبة مضلعة أخرى في الصحن المركزي. يعود الآن الشكل الرئيسي لمبنى المكتبة الحالي، والذي كان يطور باستمرار، إلى توسع وتعديل رئيسي في القرن العشرين، خاصة في أربعينيات القرن العشرين. في عام 1333 هـ أسس السلطان يوسف مجلسًا للنظر في شؤون الجامعة ووضع برنامج للدراسة فيها، أسفرت إلى تقسيم منهاج الدراسة إلى ثلاثة أقسام: ابتدائي وثانوي ونهائي، وتقرير نظام المراقبة والامتحانات.
المصدر : ويكيبيديا + مواقع إلكترونية.
الإبتساماتإخفاء