أحداث الحرب الباردة
تعتبر الحرب الباردة صراعاً دام لعقود من أجل التفوق العلمي الذي وضع الولايات المتحدة الرأسمالية ضد الاتحاد السوفياتي الشيوعي، وقد بدأت الحرب الباردة بين منتصف وأواخر عام 1945م وهو الوقت الذي بدأت فيه العلاقات بين موسكو وواشنطن بالتدهور، مما ساعد هذا التدهور في نشوب الحرب الباردة المبكرة وفتح الطريق لنضال ديناميكي بين القوى العظمى.
وقد شهدت هذه الحرب العديد من الأحداث :
مؤتمرات زمن الحرب مابعد حرب أوروبا :
اخلتف الحلفاء حول كيف ينبغي ان تبدو الخريطة الاوربية وكيفية وضع حدودها عقب الحرب. حيث عقد كل جانب افكار متباينة فيما يتعلق بإنشاء الأمن والحفاظ علية فيما بعد الحرب. أراد الحلفاء الغربيين نظام امن انشائته الحكومات الديموقراطية على اوسع نطاق ممكن فأن البلدان التي تسمح لحل سلمي للخلافات عن طريق المنظمات الدولية. وبالنظر أيضا إلى التجارب التاريخية الروسية للغزوات المتكرره وحصيلة القتلى الهائلة (تقدر بنحو 27 مليون) وتدمير الاتحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية، فقد سعى الاتحاد السوفياتي لزيادة الأمن وذلك من خلال الهيمنة على الشؤون الداخلية للدول التي تحدها.. خلال الحرب انشاء ستالين مراكز تدريبية خاصة للشيوعيين من مختلف البلدان حتى يتمكنوا من إقامة قوات الشرطة السرية الموالية لموسكو في أقرب وقت وتولي الجيش الأحمر السيطرة. أستغرق وكلاء السوفيت في السيطرة على وسائل الإعلام ولاسيما الإذاعة بمضايقات سريعة ثم حظر لجميع المؤسسات المدنية المستقلة من مجموعات الشباب إلى المدارس والكنائس والأحزاب السياسية المتنافسة. وسعى ستالين أيضا لأستمرار السلام مع بريطانيا والولايات المتحدة، أملا في التركيز على إعادة البناء الداخلي والنمو الاقتصادي. أنقسم الحلفاء الغربييون في رؤيتهم للعالم الجديد عقب الحرب. اهداف روزفيلت: وهي تحقيق الانتصار العسكري في كل من أوروبا وأسيا والتفوق العالمي للاقتصاد الأمريكي على الأمبروطورية البريطانية وإنشاء منظمة السلام العالمي, كانت أكثر عالمية من أهداف تشرشل والتي ركزت بشكل اساسي بضمان السيطرة على البحر الأبيض المتوسط وضمان بقاء الامبروطورية البريطانية واستقلال دول أوروبا الوسطى والشرقية كقوى عازلة بين السوفييت والمملكة المتحدة. في وجهة نظر أمريكية بدا ستالين حليفا محتملا في تحقيق أهدافها في حين انه في النهج البريطاني ظهر ستالين أكبر تهديد لتحقيق أجندتها. ومع الاتحاد السوفياتي اللذي احتل معظم أوروبا الوسطى والشرقية فأن ستالين كان ميزة ينافس عليها اثنين من القادة الغربيين للحصول على امتيازاته. ادت الخلافات بين روزفيلت وتشارشل لعدة صفقات منفصلة مع السوفييت. في أكتوبر عام 1944, سافر تشرشل إلى موسكو ووافق على تقسيم البلقان إلى ميادين لكل منها تأثيرها اما في يالطا فقد وقع روزفلت اتفاق منفصلا مع ستالين فيما يخص أسيا ورفض دعم تشرشل بشأن قضايا بولندا والتعويضات. بالإضافة إلى، دخول التحالف في مفاوضات بشأن مكانة التوازن عقب الحرب في مؤتمر يالطا في فبراير عام 1945 وإن كان هذا المؤتمر فشل أيضا في التوصل لإتفاق راسخ على إيطار التسوية فيما بعد الحرب في أوروبا.. في ابريل عام 1945, توفي الرئيس فرانكلين روزفيلت وخلفه هاري ترومان اللذي لايثق في ستالين واتجه للحصول على المشورة لنخبة من مثقفين السياسة الخارجية. عارض كلا من تشرشل وترومان بين أمور أخرى قرار السوفييت في دعم حكومة لوبلين والسيطرة السوفييتيه لمنافسة منفى الحكومة البولندية في لندن والعلاقات المنقطعة مع السوفيت. بعد أنتصار الحلفاء في مايو عام 1945, احتل السوفيت أوروبا الوسطى والشرقية بفعالية، بينما بقيت الولايات المتحدة وقوات التحالف الغربية القوية في أوروبا الغربية. أنشاء الأتحاد السوفياتي والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في ألمانيا التي يحتلها الحلفاء مناطق الاحتلال ووضع ايطار فضفاض لتتوزع السيطرة بين القوى الأربعة. أنشاء مؤتمر الحلفاء في سان فرانسيسكو عام 1945 الأمم المتحدة متعددة الجنسيات (UN) للحفاظ على السلام العالمي ولكن القدرة على تطبيق مجلس الأمن الدولي كان مشلولا بفعالية من امكانية أفرادها على استخدام حق النقيض.. وبناء عليه، جرى تحويل اساسي للأمم المتحدة إلى منتدى خاص لتبادل الخطاب، والتي ينظر اليها السوفياتيين بمثابة منصة دعائية.
مؤتمر بوتسدام وهزيمة اليابان :
ظهرت خلافات خطيرة في مؤتمر بوتسدام - الذي بدأ في أواخر يوليو بعد استسلام ألمانيا - حول مستقبل ألمانيا وبقية أوروبا الوسطى والشرقية. علاوة على ذلك، ساهم تصاعد لغة الكرهية والعدوانية للمشاركين في تأكيد شكوكهم حول النوايا العدوانية لبعضهم البعض وترسيخ مواقفهم. أبلغ ترومان - في هذا المؤتمر ستالين أن الولايات المتحدة تمتلك سلاحاً جديداً قوياً.
كان ستالين على وعي أن الأمريكيين يعملون على القنبلة الذرية، ونظراً إلى أن البرنامج المنافس الخاص بالاتحاد السوفياتي مُلائم، أظهر ستالين ردود فعل هادئة. أعرب الزعيم السوفياتي عن سعادته بتلك الأنباء وأمله في أن يستخدم السلاح ضد اليابان. بعد أسبوع واحد من انتهاء مؤتمر بوتسدام، قصفت الولايات المتحدة هيروشيما وناغازاكي. بعد الهجمات بفترة قصيرة، احتج ستالين إلى المسؤولين الأمريكيين عندما عرض ترومان على السوفييت نفوذ حقيقي ضئيل في اليابان المُحتلة.
بدايات الكتلة الشرقية :
وضع الاتحاد السوفياتي أساس نشأة الكتلة الشرقية - خلال المراحل الأولى من الحرب العالمية الثانية - بضم عدة دول مباشرة لتُكون جمهوريات الاتحاد السوفياتي، والتي تنازلت عنها مبدئياً(وفعلياً) ألمانيا النازية في الاتفاق الألماني السوفييتي. تشمل تلك الدول شرق بولندا (أًدرجت في جمهوريتين مختلفتين تابعتين لجمهوريات الاتحاد السوفياتي)، ولاتفيا (التي صارت جمهورية لاتفيا السوفياتية الاشتراكية)، وإستونيا (التي صارت جمهورية إستونيا السوفياتية الاشتراكية)، وليتوانيا (صارت جمهورية ليتوانيا السوفياتية الاشتراكية)، وجزء من شرق فنلندا (صارت جمهورية كاريليا الفنلندية السوفياتية الاشتراكية) وشرق رومانيا (صارت جمهورية مولدوفا السوفياتية الاشتراكية).
أُضيفت الأراضي التابعة لوسط وشرق أوروبا - الني حُررت من النازيين واحتُلت من القوات المسلحة السوفياتية - إلى الكتلة الشرقية بتحويلها إلى دول تابعة مثل شرق ألمانيا، وجمهورية بولندا الشعبية، وجمهورية بلغاريا الشعبية، وجمهورية المجر الشعبية، وجمهورية تشيكوسلوفاكيا الاشتراكية،[5] وجمهورية رومانيا الشعبية، وجمهورية ألبانيا الشعبية.
أعادت الأنظمة التي نشأت على النمط السوفياتي في الكتلة الشرقية ليس فقط الاقتصاد السوفياتي المُوجه، لكن أيضاً تبنت الطرق الوحشية التي استخدمها جوزيف ستالين والشرطة السرية السوفياتية لقمع المعارضة الحقيقية والمحتملة. كما سيطر الجيش الأحمر - في آسيا - على منشوريا في الشهر الأخير من الحرب، واستمر في احتلال أجزاء كبيرة من الأراضي الكورية الواقعة شمال خط العرض 38.
أشرفت المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية - بقيادة لافرينتي بيريا - على وضع أنظمة الشرطة السرية على النمط السوفياتي في الكتلة - كجزء من تعزيز سيطرة ستالين على الكتلة الشرقية -، والتي من المفترض أن تقضي على المقاومة المناهضة للشيوعية. عندما بدأت الشرارات الأولى للاستقلال في الظهور في الكتلة الشرقية، اتبع ستالين الاستراتيجية التي استخدمها للتعامل مع منافسيه الداخليين في فترة قبل الحرب: أُزيلوا من السلطة، وقُدموا للمحاكمة، وسُجنوا، وفي عديد من الحالات، أُعدموا.
قلق ونستون تشرشل - رئيس الوزراء البريطاني - من وجود تهديد سوفيتي لأوروبا الغربية، نظراً للحجم الهائل للقوات السوفياتية المنتشرة في أوروبا في نهاية الحرب، واعتقاد أن جوزيف ستالين - القائد السوفياتي - غير موثوق به.
الاستعداد لحرب جديدة :
ساعدت "الرسالة التلغرافية الطويلة" ل "جورج كينان" القادمة من موسكو - في فبراير عام 1946 - في التعبير عن التشدد المتزايد لحكومة الولايات المتحدة في التعامل مع السوفييت، كما أصبح الأساس الاستراتيجي للولايات المتحدة في التعامل مع الاتحاد السوفييتي خلال فترة الحرب الباردة. في سبتمبر التالي أصدر الجانب السوفياتي تلغراف نوفيكوف - أرسله السفير السوفياتي لكن كُلف فياتشيسلاف ميخائيلوفيتش مولوتوف به كما ساعد في تأليفه - حيث وصف الولايات المتحدة بكونها واقعة في قبضة الرأسماليين الاحتكاريين الذين يعملون على بناء القدرة العسكرية "لتهيئة الظروف للفوز بالسيادة العالمية في حرب جديدة".
في 6 سبتمبر عام 1946 ألقى جيمس بيرنز خطاباً في ألمانيا يستنكر فيه خطة مورجنثاو (وهو اقتراح بتقسيم ألمانيا ما بعد الحرب وإزالة إمكانيات التصنيع بها)، ويحذر السوفييت أن الولايات المتحدة تهدف إلى الحفاظ على الوجود العسكري في أوروبا إلى أجلٍ غير مُسمى. كما اعترف بيرنز بعد مرور شهر أن "جوهر برنامجنا هو الفوز بالشعب الألماني ... كانت معركة بيننا وبين روسيا للاستحواذ على العقول..."
بعد أسابيع قليلة من إرسال " الرسالة التلغرافية الطويلة"، ألقى رئيس الوزراء البريطاني السابق خطابه الشهير "الستار الحديدي" في فولتون بولاية ميزوري. دعا الخطاب إلى تحالف أنجلو-أمريكي ضد الاتحاد السوفياتي الذين اتهمهم بإنشاء ستار حديدي من شتتين في بحر البلطيق إلى ترييستي في البحر الأدرياتيكي.
كومنفورم وانفصال تيتو-ستالين :
في سبتمبر عام 1947 أنشأ السوفييت الكومنفورم بغرض فرض العقيدة داخل الحركة الشيوعية العالمية، وتشديد السيطرة السياسية على الدول التابعة للاتحاد السوفياتي من خلال تنسيق الأعمال بين الأحزاب الشيوعية في الكتلة الشرقية. واجه الكومنفورم إخفاق حرج في يونيو التالي عندما ألزم انفصال تيتو-ستالين أعضائها بطرد يوغوسلافياالتي ظلت شيوعية لكن تبنت موقف عدم الانحياز.
سياسة الاحتواء ومبدأ ترومان :
بحلول عام 1947 حث مستشارو الرئيس الأمريكي هاري ترومان باتخاذ خطوات فورية لمواجهة نفوذ الاتحاد السوفياتي، مُشيراً إلى جهود ستالين (وسط ارتباك وانهيار ما بعد الحرب) لتقويض الولايات المتحدة من خلال تشجيع التنافس بين الرأسماليين التي يُمكن أن تُعجل حرب أخرى. في فبراير عام 1947 أعلنت الحكومة البريطانية أنها لم تعد قادرة على تمويل النظام العسكري الملكي اليوناني في الحرب الأهلية ضد المتمردين تحت سيطرة الشيوعية.
تبنت الحكومة الأمريكية سياسة الاحتواء رداً على تلك الأنباء، والهدف من ذلك هو وقف انتشار الشيوعية. ألقى ترومان خطاب يدعو فيه لتخصيص 400 مليون دولار للتدخل في الحرب؛ الأمر الذي كشف النقاب عن مبدأ ترومان، والذي حدد إطار الصراع على أنه منافسة بين الشعوب الحرة والأنظمة الشمولية. على الرغم من مساعدة يوغوسلافيا التابعة لجوزيف بروز تيتو للمتمردين، اتهم صناع السياسة الأمريكيين الاتحاد السوفياتي بالتآمر ضد الملكيين اليونانيين في محاولة لتوسيع نظاق النفوذ السوفياتي.
أرخ إعلان مبدأ ترومان بداية التوافق في السياسة الخارجية وسياسة الدفاع للولايات المتحدة بين الحزب الديمقراطي والجمهوري التي ركزت على الاحتواء والردع، والتي ضعفت أثناء وبعد حرب فيتنام، لكنها استمرت بعد ذلك في النهاية. أعطت الأحزاب المعتدلة والمحافظة في أوروبا - فضلاً عن الديمقراطيين الاشتراكيين - بالفعل الدعم غير المشروط إلى التحالف الغربي؛ بينما انضم الشيوعيون الأمريكيون والأوروبيون - المدفوعين من قبل الاستخبارات السوفييتية والمشاركين في العمليات الاستخباراتية - إلى صف موسكو على الرغم من بدء ظهور الانشقاق بعد عام 1956. ظهرت انتقادات لسياسات التوافق من قبل نشطاء مناهضين لحرب فيتنام وحملة نزع السلاح النووي وحركة تجميد البرنامج النووي.
مشروع مارشال وانقلاب تشيكوسلوفاكيا :
في أوائل عام 1947 فشلت كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة في الوصول إلى اتفاق مع الاتحاد السوفياتي بشأن خطة تُحقق اكتفاء ذاتي اقتصادي لألمانيا، بما في ذلك حساب مُفصل بشأن المنشآت الصناعية والسلع والبنية التحتية التي أزالها السوفييت بالفعل. في يونيو عام 1947 بالتزامن مع مبدأ ترومان، فَعَّلت الولايات المتحدة خطة مارشال؛ وهو تعهد بتقديم المساعدات الاقتصادية لجميع دول أوروبا الراغبة بالمشاركة، بما في ذلك الاتحاد السوفياتي.
هدفت الخطة لإعادة بناء النظم الاقتصادية والديمقراطية لأوروبا ومواجهة التهديدات الملموسة لتوازن السلطة في أوروبا مثل فرض سيطرة الأحزاب الشيوعية من خلال الثورات والانتخابات. أكدت الخطة أيضاً على أن الازدهار الأوروبي يتوقف على تعافي الاقتصاد الألماني. بعد مرور شهر وقع ترومان قانون الأمن الوطني لعام 1947، مما ترتب عليه إنشاء وزارة دفاع موحدة، ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، ومجلس الأمن القومي (NSC). أصبحت تلك السلطات البيروقراطيات الأساسية لسياسة الولايات المتحدة في الحرب الباردة.
يعتقد ستالين أن التكامل الاقتصادي مع الغرب يتيح لدول الكتلة الشرقية الهروب من السيطرة السوفياتية، وأن الولايات المتحدة كانت تحاول عقد صفقة لكسب دولة موالية ومنحازة للولايات المتحدة في أوروبا. لذلك منع ستالين دول الكتلة الشرقية من تلقي مساعدات خطة مارشال. أصبحت خطة مولوتوف (والتي أخذت طابع مؤسسي في يناير عام 1949 يُعرف بمجلس التعاون الاقتصادي) هي بديل الاتحاد السوفياتي لخطة مارشال، والتي تزعم تضمن التجارة والمساعدات السوفياتية مع أوروبا الوسطى والشرقية. كان يخشى ستالين من إعادة إعمار ألمانيا؛ فرؤيته لألمانيا بعد الحرب لا تشمل القدرة على إعادة تسليح نفسها أو تشكيل أي نوع من التهديد للاتحاد السوفياتي.
في أوائل عام 1948 بعد متابعة تقارير عن تعزيز "العناصر الرجعية"، قضى عملاء الاتحاد السوفياتي على انقلاب في تشيكوسلوفاكيا، وهي الدولة الوحيدة في الكتلة الشرقية التي سمح السوفييت بالاحتفاظ بهياكل الديمقراطية بها. أصاب القمع الوحشي لجموع الانقلاب صدمة لدول الغرب أكثر من أي حدث حتى ذلك الوقت، مع إطلاق العنان لذعر من حدوث حرب وجرفت آخر بقايا المعارضة لخطة مارشال في الكونغرس الأمريكي.
أدت السياستان التوأم لمبدأ ترومان وخطة مارشال إلى بلايين من المساعدات العسكرية والاقتصادية لأوروبا الغربية واليونان وتركيا. فاز الجيش اليوناني في الحرب الأهلية بفضل مساعدة الولايات المتحدة. تحت قيادة ألتشيدي دي غاسبيري، هزم الحزب الديمقراطي المسيحي الإيطالي التحالف الشيوعي الاشتراكي الضخم في انتخابات عام 1948. في نفس الوقت كان هناك زيادة في النشاط الاستخبارتي والتجسسي، وانشقاقات الكتلة الشرقية، والترحيل الدبلوماسي.
حصار برلين والجسر الجوي :
دمجت الولايات المتحدة وبريطانيا الأراضي المحتلة لألمانيا الغربية التابعة لهم في اتحاد ذي منطقتين (كان ذلك 1 يناير عام 1947، صارت فيما بعد اتحاد ذي ثلاث مناطق بعد انضمام فرنسا إليهم عام 1949). في أوائل عام 1948، أعلن ممثلي الولايات المتحدة وعدد من الحكومات الأوروبية الغربية - كجزء من إعادة البناء الاقتصادي لألمانيا - اتفاقية لدمج المناطق الألمانية الغربية إلى نظام حكومي فيدرالي. بالإضافة إلى ذلك، وفقاً لخطة مارشال، بدأوا بإعادة بناء وتصنيع الاقتصاد الألماني، بما في ذلك إدخال عملة المارك الألمانية الجديدة بدلاً من العملة القديمة رايخ مارك التي بخس السوفييت من قيمتها.
بعد ذلك بفترة قصيرة، فرض ستالين حصار برلين (24 يونيو 1948 - 12 مايو 1949)؛ وهي واحدة من الأزمات الكبرى للحرب الباردة حيث مُنعت المواد الغذائية والمعدات والإمدادات من الوصول إلى غرب برلين. بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وعدة بلدان أخرى في إمداد غرب برلين بالطعام وغيرها من المؤن من خلال جسر برلين الجوي الضخم.
شن الاتحاد السوفياتي حملة علاقات عامة ضد تغيير السياسة المتبعة. كما حاول شيوعيو ألمانيا الشرقية مرة أخرى تعطيل الانتخابات البلدية لبرلين (كما فعلوا في انتخابات 1946)، التي عُقدت 5 ديسمبر 1948 وكانت نسبة الإقبال بها تتعدى 86.3%، وكانت النتيجة فوزاً ساحقاً للأحزاب غير الشيوعية. كانت النتائج ذي تأثير فعال مما تسبب بتقسيم المدينة إلى شرق وغرب لما كان عليه سابقاً. تظاهر نحو 300000 برليني، ودعوا لاستمرار الجسر الجوي الدولي، كما قام غيل هالفرسون - طيار في السلاح الجوي الأمريكي - بعمليات نقل مؤن، والتي وفرت الحلوى للأطفال الألمان. في مايو عام 1949 تراجع ستالين ورفع الحصار.
في عام 1952 اقترح ستالين عدة مرات خطة لتوحيد شرق وغرب ألمانيا في ظل حكومة واحدة منتخبة تحت إشراف الأمم المتحدة إذا كانت ألمانيا الجديدة ستظل خارج التحالفات العسكرية الغربية. رفضت السلطات الغربية هذا الاقتراح نتيجة لطعن بعض المصادر في صدق الاقتراح.
بدايات حلف الناتو وإذاعة أوروبا الحرة :
وقعت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وكندا وثماني دول أوروبية غربية معاهدة حلف شمال الأطلسي في أبريل عام 1949، والذي مهد لتأسيس منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). في أغسطس التالي تم تفجير أول مفاعل نووي سوفيتي في سيميبالاتينسيك في كازاخستان السوفياتية. بعد رفض الاتحاد السوفياتي المشاركة في جهود إعادة إعمار ألمانيا التي أطلقتها الدول الأوروبية الغربية عام 1948، قادت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تأسيس ألمانيا الغربية ابتداءً من المناطق الغربية الثلاثة المحتلة في أبريل 1949. أعلن الاتحاد السوفياتي منطقته المحتلة في ألمانيا - في أكتوبر التالي - الجمهورية الديمقراطية الألمانية.
كان الإعلام في الكتلة الشرقية جهازاً من أجهزة الدولة؛ يعتمد كلياً على الحزب الشيوعي وتابعاً له بالتزان مع منظمات الإذاعة والتليفزيون التابعة للدولة، بينما تمتلك المنظمات السياسية عادة وسائل الإعلام المقروءة والتي تكون غالباً مملوكة من الحزب الشيوعي المحلي. استخدمت الدعاية السوفياتية الفلسفة الماركسية لمهاجمة الرأسمالية، وادعت أن الاستغلال في العمل والإمبريالية المُروجة للحرب أشياء متأصلة في النظام.
بدأ بث إذاعة أوروبا الحرة/الإذاعة الحرة كجهد دعائي كبير عام 1949 - جنباً إلى جنب مع بث هيئة الإذاعة البريطانية وصوت أمريكا في أوروبا الوسطى والشرقية - مُكرسة جهودها لمحاولة تحقيق الزوال السلمي للنظام الشيوعي في الكتلة الشرقية. حاولت إذاعة أوروبا الحرة تحقيق تلك الأهداف من خلال عملها بمثابة محطة إذاعية منزلية بديلة، بديلاً عن الصحافة المحلية التي يسيطر عليها الحزب ويهيمن عليها. إذاعة أوروبا الحرة هي نتاج واحد من أبرز مهندسي الاستراتيجية الأمريكية للحرب الباردة المبكرة؛ خاصة أولئك الذين اعتقدوا أن خوض الحرب الباردة سيكون أخيراً بوسائل سياسية لا عسكرية مثل جورج كينان.
اعترف صناع الحرب الأمريكيين - بما فيهم كينان وجون فوستر دالاس - أن الحرب الباردة كانت في جوهرها حرب أفكار. مولت الولايات المتحدة - التي تعمل من خلال وكالة المخابرات المركزية - قائمة طويلة لمواجهة النداء الشيوعي بين المثقفين في أوروبا والعالم النامي. ترعى وكالة المخابرات المركزية سراً أيضاً حملة دعائية محلية تُدعى الحملة الصليبية من أجل الحرية.
عملت الولايات المتحدة - في أوائل خمسينيات القرن العشرين - لإعادة تسليح ألمانيا الغربية، وفي عام 1955 حصلت على عضويتها الكاملة في حلف الناتو. قدمت بيريا في مايو عام 1953 - التي تولت في ذلك الوقت منصب حكومي - اقتراح غير ناجح لإعادة توحيد دولة ألمانية محايدة لمنع ضم ألمانيا الغربية إلى حلف شمال الأطلسي.
الحرب الأهلية الصينية وسياتو :
في عام 1949 هزم جيش التحرير الشعبي لماو تسي تونغ حكومة الكومينتانغ الوطنية لشيانج كاي شيك المدعوم من الولايات المتحدة، وسارع الاتحاد السوفياتي لعقد تحالف مع جمهورية الصين الشعبية التي شكلت حديثاً. وفقاً لما قاله المؤرخ النرويجي أود أرني ويستاد، فقد ربح الشيوعيون الحرب الأهلية لأنها ارتكبت أخطاء عسكرية أقل من شيانج كاي شيك، ولأن في بحثه عن حكومة مركزية قوية، عادى شيانج الكثير من جماعات المصالح في الصين. علاوة على ذلك، تم إضعاف حزبه في الحرب ضد اليابان. في الوقت نفسه أخبر الشيوعيون مختلف المجموعات - مثل الفلاحين - ما يريدون سماعه بالضبط، وتستروا على أنفسهم في غطاء القومية الصينية.
تراجع شيانج وحكومة الكومينتانغ إلى جزيرة تايوان. بعد مواجهة الثورة الشيوعية في الصين ونهاية الاحتكار الذري الأمريكي عام 1949، أسرعت حكومة ترومان لتصعيد سياسة الاحتواء وتوسيعها. اقترح مجلس الأمن القومي في وثيقته السرية لعام 1950 (NSC-68) تعزيز نظم التحالف الموالي للغرب ومضاعفة الإنفاق على الدفاع.
انتقل مسؤولون من الولايات المتحدة بعد ذلك لتوسيع الاحتواء في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية لمواجهة الحركات القومية الثورية، التي تقودها في الغالب الأحزاب الشيوعية ويمولها الاتحاد السوفياتي، للنضال ضد استعادة الامبراطوريات الاستعمارية الأوروبية في جنوب شرق آسيا وكل مكان آخر. في أوائل خمسينيات القرن العشرين (تُعرف الفترة أحياناً باسم "Pactomania")، عقدت الولايات المتحدة سلسلة من التحالفات مع اليابان وأستراليا ونيوزيلندا وتايلاند والفلبين (لا سيما أنزوس عام 1951 وسياتو عام 1954)، وبالتالي يكفل للولايات المتحدة عدداً من القواعد العسكرية طويلة المدى.
الحرب الكورية :
كان واحداً من النتائج البارزة للاحتواء هو اندلاع الحرب الكورية. في يونيو 1950 الجيش الشعبي لشمال كوريا التابع لكيم إل سونغ اجتاح جنوب كوريا. خطط جوزيف ستالين للغزو وأعد له وبدأه، وأنتج خطط حرب مفصلة التي شاركها مع كوريا الشمالية. فوجئ ستالين لدعم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الدفاع عن كوريا الجنوبية، على الرغم أن الاتحاد السوفياتي قاطع الاجتماعات التي تتظاهر بسبب حصول تايوان والصين غير الشيوعية على مقعد دائم في مجلس الأمن. اجتمعت قوة من موظفي الأمم المتحدة من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتركيا وكندا وكولومبيا وأستراليا وفرنسا وجنوب إفريقيا والفلبين وهولندا وبلجيكا ونيوزيلندا ودول أخرى لوقف الغزو.
كان من ضمن النتائج الأخرى أن الحرب الكورية حفزت حلف الناتو لتطوير البنية العسكرية. انقسم الرأي العام في البلدان المعنية - مثل بريطانيا العظمى ما بين مؤيد ومعارض للحرب. يخشي العديد التصعيد إلى حرب عامة مع الصين الشيوعية، وحتى حرب نووية. تسببت المعارضة القوية في الأغلب للحرب في توتر العلاقات الأمريكية البريطانية، لذلك سعى المسؤولون البريطانيون لوضع نهاية سريعة للصراع على أمل توحيد كوريا تحت رعاية الأمم المتحدة وانسحاب جميع القوات الأجنبية.
على الرغم أن الصين وشمال كوريا أُستنزفت بسبب الحرب، وكانوا على استعداد لإنهائها بنهاية عام 1952، لكن أصر ستالين على استمرار الصراع، وتمت الموافقة على الهدنة فقط في يوليو عام 1953 بعد وفاة ستالين. أسس كيم إل سونغ - زعيم كوريا الشمالية - لديكتاتورية شمولية ذات مركزية عالية - وهي مستمرة حتى الآن - ليمنح نفسه سلطة غير محدودة والتمهيد لعبادة الشخصية المفرطة. في جنوب كوريا، أدار إي سنغ مان -الديكتاتور المدعوم من أمريكا- نظام أقل وحشية بشكل ملحوظ لكن أكثر فساداً وتسلطاً. بعد الإطاحة بإي سنغ مان عام 1960، سقطت كوريا الجنوبية في خلال عام تحت الحكم العسكري الذي استمر حتى إعادة إنشاء نظام متعدد الأحزاب في أواخر ثمانينات القرن العشرين.
التصعيد :
- خروتشوف وآيزنهاور وعملية اجتثاث الستالينية :
تسببت التغيرات في القيادة السياسية في كلا الجانبين - عام 1953 - في تحول دينامكية الحرب الباردة. نُصِّب دوايت آيزنهاور رئيس البلاد في يناير التالي. خلال ال18 أشهر الماضية من إدارة ترومان، تضاعفت ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية أربع مرات. عمل آيزنهاور على تقليل الإنفاق العسكري بنسبة الثلث مع الاستمرار في صراع الحرب الباردة على نحو فعال.
بعد وفاة جوزيف ستالين، أصبح نيكيتا خروتشوف الزعيم لسوفيتي بعد خلع لافرينتي بيريا وإعدامه، بالإضافة إلى التخلص من منافسيه مثل جورجي مالينكوف وفياتشيسلاف ميخائيلوفيتش مولوتوف. في 25 فبراير عام 1956، صدم خروتشوف مندوبي المؤتمر ال20 للحزب الشيوعي السوفياتي بعد تعديد جرائم ستالين وإدانتها. كجزء من حملة اجتثاث الستالينية، أعلن أن السبيل الوحيد للإصلاح والابتعاد عن سياسات ستالين هو الاعتراف بأخطاء الماضي.
في 18 نوفمبر عام 1958، بينما كان يلقى خطاباً للسفراء الغربيين في حفل استقبال بالسفارة البولندية في موسكو، ألقى خروتشوف تعبيره الشهير (إذا كنتم ترغبون ذلك أم لا، التاريخ هو ملكنا. سوف ندفنكم) الذي صدم جميع الحضور. ادعى بعد ذلك أنه لم يكن يتحدث عن حرب نووية، لكن عن انتصار الشيوعية المثبت تاريخياً على الرأسمالية. في عام 1961 أعلن خروتشوف أنه حتى لو كان الاتحاد السوفيت لم يلحق بالغرب، لكن في غضون عقد ستختفي أزمة الإسكان، وتتوفر السلع الاستهلاكية، وخلال عقدين من الزمان على الأغلب سيُكتمل بناء مجتمع شيوعي في الاتحاد السوفياتي.
استخدم جون فوستر دالاس - وزير خارجية آيزنهاور - سياسة "نيو لوك" في سياسة الاحتواء، داعياً إلى زيادة الاعتماد على الأسلحة النووية ضد أعداء الولايات المتحدة في وقت الحرب. أكد دالاس أيضاً على عقيدة "الانتقام الهائل" التي تهدد برد قاسٍ للولايات المتحدة على أي عدوان سوفيتي. سمح امتلاك التفوق النووي لآيزنهاور على مواجهة التهديدات السوفياتية للتدخل في الشرق الأوسط خلال العدوان الثلاثي عام 1956.
- حلف وارسو والثورة المجرية :
بينما كان لموت ستالين أثره في تخفيف التوترات قليلاً عام 1953، ظل الوضع في أوروبا هدنة مسلحة غير مستقرة. عقد الاتحاد السوفياتي - الذي أنشأ بالفعل شبكة من معاهدات المساعدة المتبادلة في الكتلة الشرقية عام 1949 - تحالف رسمي هناك، وهو حلف وارسو عام 1955.
اندلعت الثورة المجرية عام 1956 بعد فترة وجيزة من ترتيب خروتشوف لعزل ماتياش راكوشي، الزعيم الستاليني للمجر. نتيجة للانتفاضة الشعبية، أزال النظام الجديد الشرطة السرية، مُعلناً نيته للانسحاب من حلف وارسو والتعهد بإعادة الانتخابات الحرة. قام الجيش السوفياتي بالغزو. اُعتقل آلاف المجريين وسُجنوا ورُحلوا إلى الاتحاد السوفياتي، وفر حوالي 200000 مجري من المجر خلال الفوضى. نُفذ حكم الإعدام على القائد المجري إيمري ناج وآخرين بعد محاكمات سرية.
الإبتساماتإخفاء