إعلان

مأساة أطفال - قصة واقعية

مأساة أطفال

مأساة أطفال - قصة واقعية

كان الوقت منتصف الليل، والهدوء يعم أروقة المستشفى وحجراتها المسكونة بالمنومات المرهقات، عندما دخلتا إلى الغرفة 210 ، كانتا اثنتين صغيرتين، هزيلتين، الشحوب هو أبرز سمة يمكن أن تراها بوضوح على محياهما، تتوكا إحداهما على الأخرى وعندما استقرت المريضة منهما على الفراش التفتت الأخرى تبحث عن مقعد تريح عليه جسدها المرهق، كان ثمة مقعد خال عند جارتها المنومة في الغرفة، استاذنت للحصول عليه، وعندما استوت عليه كان واضحا مقدار ما تحمله سنواتها العشر من هم لا يعقل أن تحمله من كانت في مثل عمرها.. عرضت عليها جارتها طعاما فقبلت بسرعة وعندما بدأت في تناوله كان صح واضحا جدا مقدار ما تعيشه ايضا قد من بؤس وجوي.. فيما بعد عرفت الجارة قصتهما، هم سبعة اخوة وهاتان الصغيرتان هما أكبر الأخوة، انفصل أبواهما، وبسبب العناد والمكابرة والتجرؤ في الجناية على الصغار - لم تتمكن الأم من ضم صغارها إليها ورعايتهم، وأيضا لم يستطع الأب أن يكفل لهم الرعاية بعد أن أصبح رهين العدالة فى جريمة ما، فاوكل رعايتهم إلى أخيه وزوجته، لدى هذا الاخ أولاد كثر وظروى مادية متعثرة، ولدى زوجته ايضا همومها وعندما اضيف على هذه الهموم سبعة أنفس كان خيار زوجة العم ان تستنفد طاقات الصغار الجدد في يومياتها الظالمة، فأصبح الصغار السبعة هدفا لغضباتها ومتنفسا لهمومها

مأساة أطفال - قصة واقعية

فها هي تغلق الباب دون الغسالة الأتوماتيكية بعد أن أجبرت الفتيات على غسل ملابس البيت كله يدويا، وها هي تكف عن الطهو بعد أن اتخذت منهن طاهيات دائمات، وها هي تكف عن الانشغال بأمر تنظيف البيت بعد أن أصبح من مهمتهن، ولم تكتف بهذا بل أسكنت الصغار السبعة في غرفة خارجية ملحقة بالمنزل معدة لخادمة او سائق، وبمرور الزمن نسيت الصغيرات معنى مصررف اليد وغاب عن أذهانهن الصغيرة شكل الريال طعم الكاكاو، تجرعن المرارة في صمت العاجز، فهن لا يملكن من أمر أنفسهن شيئا، وها هم أقرباؤهم من خارج المنزل يشاهدون ما يحدث ويغضون الطرف خشية إغضاب العم او إحداث فرقة بين افراد العائلة.. في تلك الليلة التي حكت فيها الصغيرات ما يحدث معهن -وهو كثير- كانت دموعهن تسبق ما يقلن، وكان تعثر الكلمات على شفاههن الجافة شاهدا جديدا على عظم المأساة التي يعشنها.. كانت الإصابة التي جاءت بالكبرى إلى المستشفى ناجمة عن عقاب ارتاته زوجة العم على خطأ لم تعد تذكر ما هو، وكان قدوم الصغيرتين للمستشفى باب رحمة لم توافق زوجة العم عليه - إلا بعد أن توسلت إليها الخادمة وقبلت أن تقطع من راتبها جزءا مقابل رحمتها بالصغيرات وذهابهن وعندما غطت الصغيرات في النوم كان حربا باصحاب القلوب أن يشاهدوا نوبات الفزع التي انتابتهن واستيقاظهن مرتجفات باكيات ينادين أمهن التي لن تسمع صوتهن أبدا.

مأساة أطفال - قصة واقعية

كان واضحا أن مشكلة الصغيرات لا يحلها أن تمد يدك بنقود أو كيس حلوى، فهن بالأساس يفتقدن الحنان والحب والرعاية التي يحتجن إليها، يفتقدن الرحمة والضمة الحنون، يفتقدن جدا لمن يسمع ما بهن ويتفهم عذاباتهن ويرحم ضعفهن وقلة حيلتهن أمام الظروف القاسية التي يعشن فيها مجبرات. صبحت الآن في يد وزارة العمل والشؤون هذه القصة الاجتماعية، نسأل الله أن يعجل في حلها.. لكن هذه قصة من عشرات القصص التي يتعرض فيها الصغار إلى استغلال حاجتهم ووضعهم الاجتماعي. في إحكام الضغط عليهم، وسهد وصاية ما أنزل الله بها من سلطان، وهؤلاء الصغار مع غيرهم ممن حكمت عليهم الظروف بان يعيشوا خارج منظومة الأسرة السوية يحتاجون فعلا إلى وقفة رحمة من المجتمع، وإلى قرارات حازمة وأنظمة قاطعة تعاقب المسيء إلى طفولتهم، حتى لا يتمادى الظالمون في ظلمهم وحتى لا تظل الأجساد الصغيرة متنفسا لأهوائهم: ففي النسيج الاجتماعي لحياتنا المعاصرة ثم مشكلات لا يحلها فقط أن نتر بالمال. 

المصدر : سحر الحملاوي- جريدة الرياض - 2004 


الإبتساماتإخفاء