إعلان

التريسيراتوبس - الديناصور الذي له ثلاثة قُرون

التريسيراتوبس

التريسيراتوبس - الديناصور الذي له ثلاثة قُرون

الديناصور ثُلاثيُّ القُرون الشهير باسم التريسيراتوبس (باللاتينية: Triceratops)، هو جنسٌ من الديناصورات القرناء العاشبة، التي ظهرت على وجه الأرض خِلال المرحلة الماسترخيَّة من العصر الطباشيري المُتأخر، مُنذُ حوالي 68 مليون سنة، في الأراضي التي تُشكِّلُ اليوم جُزءًا من أمريكا الشماليَّة. وهي إحدى آخر أجناس الديناصورات اللاطيريَّة على وجه المعمورة، وقد اندثرت تمامًا في حدث انقراض العصر الطباشيري-الباليوجيني الذي وقع مُنذ حوالي 66 مليون سنة. تُشتقُ تسمية تريسراتوپس، التي تعني حرفيًّا «الوجه ثُلاثي القُرون» من ثلاث كلماتٍ إغريقيَّة: «τρί» وتُلفظ تراي بمعنى «ثلاثة»، و«κέρας» وتُلفظ كيراس بمعنى «قرن»، و«ὤψ» وتُلفظ أوبس بمعنى «وجه».

التريسراتوپس هو أحد أشهر الديناصورات عُمومًا وتلك القرناء خُصوصًا، ومن بين أكثر الأنواع التي يسهل للعامَّة التعرُّف عليها بمُجرَّد النظر. وتُعزى شُهرته هذه إلى منظره المُميَّز، فهو ديناصورٌ أقرن رُباعيُّ القوائم، تنبعثُ من وجهه ثلاثةُ قُرونٍ يقعُ خلفها هدبٌ عظميٌّ ضخم، ويتمتَّع بخصائص جسديَّة شبيهة بالخصائص الكركدنيَّة. تشاطرت هذه الديناصورات موطنها مع التيرانوصور، الذي يُعتقد بأنه كان أحد أبرز مُفترسيها، على أنَّهُ من غير المؤكد تمامًا أنَّ كلا الصنفين تقاتلا أو اشتبكا في بعض المعارك كما يُصوران في أغلب كُتب الديناصورات وفي المتاحف.

شكَّل موقع جنس التريسراتوپس ضمن مجموعة الديناصورات القرناء موضع جدالٍ بين عُلماء الأحياء القديمة. ويعترف هؤلاء بِنوعين فقط ينتميان لِهذا الجنس، هُما: التريسراتوپس المُتغضِّن (T. horridus) والتريسراتوپس الكامل (T. prorsus)، على الرُغم من أنَّ الكثير من الأنواع الأُخرى قد سُميت. اقترحت إحدى الأبحاث المنشورة في سنة 2010م أنَّ الطوروصور الذي عاصر التريسراتوپس، واعتُبر طيلة زمنٍ طويلٍ جنسًا مُستقلًا بذاته، ليس سوى الشكل البالغ من التريسراتوپس. وقد أطلقت هذه النظريَّة وابلًا من الجدليَّات بين العُلماء والخُبراء بمُجرَّد نشرها، وما زال هؤلاء بانتظار اكتشاف المزيد من المُستحاثات لِدراساتها وتحديد مدى صحَّة هذا الكلام.

تمَّت دراسة التريسراتوپس من خِلال الكثير من بقاياه التي عُثر عليها واستُخرجت من الأرض مُنذ أن وُصف هذا الجنس لِأوَّل مرَّة في سنة 1889م، بما فيها هيكلٌ عظميٌّ واحدٌ كامل على الأقل. يقولُ عالم الأحياء القديمة جون سكانلَّا: «من الصعب المضيّ قدمًا في تكوينة هل كريك الصخريَّة دون العُثور على مُستحاثةٍ تعود لِتريسراتوپس بارزةٌ من إحدى التلال». وفي الحقيقة، فإنَّ العُلماء اكتشفوا أربعٌ وسبعون جُمجُمة كاملة أو جُزئيَّة لِهذه الديناصورات خِلال الفترة المُمتدَّة بين سنتيّ 2000 و2010م. وتتنوَّع هذه العينات بين تريسراتوپسات حديثة الفقس إلى أُخرى يافعة وبالغة.

شكَّلت قُرون هذه الكائنات وهُدبها المُميَّزة موضع تكهُّناتٍ كثيرةٍ مُنذُ القِدم. والنظرة التقليديَّة السَّائدة هي أنَّها كانت تُستخدم للدفاع عن النفس ضدَّ الضواري. أمَّا النظريَّات المُعاصرة فتُشير إلى احتماليَّة استخدامها للتمييز بين الجنسين وبين الصغار والبوالغ، وفي عُروض التودد والتزاوج، تمامًا كما يفعل الطاووس حينما يستعرض ريشات ذيله المُبهرة لِيجتذب إليه الإناث في موسم التناسل، أو في عُروض التخويف والترهيب، كما تفعل ذُكور الأيائل والظباء والخنافس الكركدنيَّة عندما تستعرض قُرونها أمام خُصومها لِتخويفها، وذلك بعد أن اكتشف العُلماء آثار عُروقٍ دمويَّة في أعظم جماجم الكثير من الديناصورات القرناء. يُشارُ إلى أنَّ هذه النظريَّة ستؤكَّد صحَّتها بشكلٍ أكبر بحال تبيَّن أنَّ الطوروصور ليس سوى الشكل البالغ من التريسراتوپس، نظرًا لأنَّ الأولى تتميَّز هُدبها بِثُقوب، ممَّا يعني أنَّها لا تُشكِّلُ وسيلةً دفاعيَّةً جيِّدة، ولا بُد من أنها تُستغل لِشيءٍ آخر، ولعلَّهُ الاستعراض.

وصف التريسيراتوبس :

  • طوله ووزنه :

يُقدَّر الطول الذي بلغه التريسيراتوپس البالغ بما بين 7.9 إلى 9 أمتار تقريبًا، بينما تراوح ارتفاعه من 2.9 إلى 3 أمتار، ووزنه من 6.1 إلى 12 طُنًّا. أكثر سمات جسد هذا الحيوان تميُّزاً هي جُمجمته الضَّخمة، فهي واحدةٌ من أكبر جماجم الحيوانات التي عاشت على الأرض في كلِّ العصور. بلغ طول أكبر جمجمةٍ معروفة للتريسيراتوپس (والتي تحمل حاليًا رقم العيِّنة MWC 7584، وكانت تحمل سابقاً رقم BYU 12183) حسب التقديرات 2.5م عندما كانت مكتملة، وكانت بثُلث طول التريسيراتوپس البالغ تقريبًا. كان لدى هذا الحيوان قرنٌ واحدٌ صغيرٌ نسبيًّا فوق أنفه، وقرنان آخران فوق كلَّ عينٍ بطول متر واحد. اكتشف علماء أحافيرٍ في سنة 2010 أحفورة (تُسمَّى ترايك يوشي" وتُرقَّم بالرَّمز MOR 3027) تحمل قرنين طول كلِّ واحدٍ منهما 115 سنتيمترًا، وهي محفوظةٌ ومعروضةٌ حالياً في متحف الروكي بولاية مونتانا الأمريكية. كان يوجد في مؤخِّرة جماجم بعض هذه الحيوانات هدبٌ قصيرٌ (يشبه في شكله الشراع الدائري) عظميٌّ مُزيَّن بعظامٍ صلبة، إلا أنَّ أهداب معظمها امتازت بثقوبٍ جمجميَّة كبيرةٍ منتشرة فيها. ولم يكن هذا الهدب صلباً على نحوٍ خاص.

كان جلد التريسيراتوپس غير اعتياديٍّ مقارنةً بالديناصورات الأخرى. أظهرت دراسة جلد عيِّنة غير موصوفةٍ بعد من هذا الحيوان أن جلده ربَّما كان مُغطَّى بكتلٍ قاسية تشبه الأشواك، تشبه الأشواك التي كانت تغطي الديناصور البدائي سيتاكوصور.

  • أطرافه :

كان جسد التريسيراتوپس قويَّ البِنية، فقد كانت أطرافه قويَّة، كانت أرجله الأماميَّة قصيرةً وفي كلٍّ منها ثلاثة حوافر، أما الخلفيَّة فأطول قليلاً وفي كل منها أربعة حوافر. مع أن التريسيراتوپس كان يمشي على أربعٍ من دون شك، إلا أنَّ وضعيَّة وُقوفه ظلَّت مدار جدلٍ بين العلماء. ففي البداية كان يُعتَقد أن أرجله الأمامية يجب أن تكون مُمتدَّةً بزاوية قائمة من قفصه الصدريّ، وذلك لتتمكَّن من تحمُّل وزن جمجمته الهائل بسهولةٍ أكبر. ويُمكن رؤية هذا التصوُّر بالرسومات التخيُّلية الأولى التي أجريت للترايبراتوبس، مثل تلك التي عمل عليه تشارلز نايت وردولف زالينگر. تظهر الأدلَّة التي درسها العُلماء (المُتمثِّلة بآثار الأقدام التي تركتها هذه الحيوانات وراءَها) وإعادات البناء الحديثة للهياكل العظميَّة (المُعدَّة فيزيائيًّا ورقميًّا) أن الترايسراتوبس وأقاربه من الديناصورات ذواتِ القرون كانوا يقفون منتصبين أثناء حركتهم العاديَّة، حيث تكون مرافقه مثنيَّة ومنحنيةً للخارج قليلاً، لتتَّخذ شكلاً وسطًا بين الوقفة المنتصبة والتمدُّد المنتصب (مثل ذلك في وحيد القرن الحديث).

كان بناء الأطراف الأماميَّة للتريسيراتوپس بدائيًّا بصورةٍ كبيرة مقارنةً بالديناصورات رباعيَّة المشية الأخرى مثل الثيريوفورا والعديد من الصوربوديَّات. ففي المجموعتين الأخيرتَين، كانت الأطراف الأماميَّة للديناصور عادةً مستديرةً بحيث تكون أيديه مُتَّجهةً نحو الأمام بينما السَّاق متجهة نحو الخلف عندما يبدأ بالمشي. أما التريسيراتوپس وأقاربه والديناصورات الشبيهة بهم مثل الأورنيثوپودات فقد كانت مُعظم أصابعها متجهة للخارج بعيدًا عن الجسد أثناء المشي، وهو ظاهرةٌ بدائيَّةٌ متواجدة أيضاً في بعض الديناصورات ثنائيَّة المشية مثل الثيروپودات. كان وزن الجسد في التريسيراتوپس يُوضَع بالكامل على الأصابع الثلاثة الأولى لأرجله الأمامية، أما الإصبعان الرابع والخامس فقد كانا غير وظيفيَّيْن ولم يحملا أي حوافر أو مخالب. المعادلة العظميَّة لأصابع أرجل التريسيراتوپس هي 2-3-4-3-1، بما معناه أنَّ إصبعه الأول له عظمتان، والثاني ثلاثة وهكذا.

تاريخ الاستكشافات :

أولى العيِّنات الأُحفوريَّة التي عُثر عليها وكانت تعود لِإحدى التريسيراتوپسات كانت عبارة عن قرنان جانبيَّان مُتصلان بِسقف جُمجُمة اكتُشفتا على مقرُبةٍ من مدينة دنڤر عاصمة ولاية كولورادو الأمريكيَّة، في ربيع سنة 1887م. أُرسلت هذه العينة إلى عالم المُستحاثات الأمريكي أوثنیل شارلز مارش، الذي اعتقد بأنَّ التكوينة الصخريَّة التي استُخرجت منها ترجعُ إلى العصر الحديث القريب (الپليوسيني)، وأنَّ صاحب هذه القُرون ما هو إلَّا نوعٌ غريبٌ وضخمٌ جدًا من البيسون، أطلق عليه تسمية «البيسون مُرتفع القُرون»  وبِحُلول السنة التالية، تبيَّن للمُجتمع العلمي أنَّ هُناك أجناسٌ ديناصوريَّة قرناء، فأطلق عليها مارش التسمية العلميَّة «Ceratops» (نقحرة: سيراتوپس) بمعنى «الوجه الأقرن»، بعد مُعاينته بعض العظام المُتحجِّرة، لكنَّهُ بقي على اعتقاده بأنَّ القُرون التي عُثر عليها تعودُ لِنوعٍ بائدٍ من البيسون، ولم يُغيِّر رأيه حتَّى عُثر على جُمجُمةٍ ثالثة أكثر كمالًا من سابقاتها. عُثر على العيِّنة الأخيرة سنة 1888م في تكوينة لانس الصخريَّة بِولاية وايومينگ، وكان مُكتشفها هو جون بل هاتشر، ووُصفت على أنها نوعٌ آخرٌ من الديناصورات القرناء. وبعد المزيد من الدراسات، أطلق عليها مارش التسمية العلميَّة تريسيراتوپس، وتقبَّل فكرة أنَّ بيسونه ليس إلَّا ديناصورٍ جديد. أكَّدت طبيعة وبُنية الجُمجُمة القويَّة والمتينة أنَّه لا بُدَّ من توافر عيِّناتٍ أُخرى مُتحجرة منها مُتناثرةٌ هُنا وهُناك، الأمر الذي يُتيحُ المُقارنة بين العيِّنات المُختلفة وبناء فكرة أكثر وُضوحًا عن هذه الكائنات. وخِلال السنوات اللاحقة، عُثر على مُستحاثات التريسيراتوپس في ولايتين أمريكيَّتين أُخريتين هي مونتانا وداكوتا الجنوبيَّة، وفي مُقاطعتين كنديتين هُما سسكتشوان وألبرتا.

كان عالم المُستاحثات الشهير إدوارد درينكر كوپ قد عثر في سنة 1872م على عيِّنةٍ أُخرى في تكوينة لانس الصخريَّة أطلق عليها تسمية «الأُعجوبة العظيمة» (Agathaumas sylvestris)، واعتقد حينها أنها تعودُ لِإحدى أجناس الهادروصور بطيَّة المنقار. اقتصرت تلك العينة على بعض العظم القبقحفي (عظم خلف القحف)، ولم توصف بأنَّها تعود للتريسيراتوپس إلَّا لِفترةٍ مؤقتة.

تصنيف التريسيراتوبس :

يُعتَبر جنس التريسيراتوپس أكثر فئةٍ دُرِسَت علميًّا من فصيلة السيراتوپيَّات وهي فصيلةٌ تضمُّ عددًا من الديناصورات ذوات القرون التي عاشت على أرض أمريكا الشمالية منذ ملايين السِّنين. تمتاز بعض هذه الديناصورات بأنَّ لديها أهدابًا قصيرةً صُلبة حول رقبتها (وهذه الصفة أكثر بروزًا في مجموعةٍ تدعى السنتوصوريَّات)، وقرنين طويلَين فوق عينَيها (وأما هذه الصفة فهي أكثر بروزًا في مجموعةٍ تدعى السيراتوپيَّات، أو الكازموصوريَّات). كان ريتشارد سوان لَلْ أوَّل عالم مستحاثَّات كتب مؤلَّفًا عامًّا عن مجموعة السيراتوپيَّات، وقد افترض أنَّها انقسمت إلى فرعين تطوُّريَّين، أحدهما يتكوَّن من المونوكلونيوس والسنتورصور اللَّذين انتهيا إلى التريسيراتوپس، وأمَّا الآخر فيتكوَّن من السيراتوپس والطوروصور، وبذلك فإنَّ التصوُّر الحالي للمجموعة يجعل التريسيراتوپس فرداً من مجموعة السنتوصوريَّات. أيَّدت المراجعات العلميَّة اللاحقة هذا الرأي في تصنيف الحيوان، حيث وُصف التريسيراتوپس ذو الهُدب القصير رسميًّا على أنَّه سنتوصور، بينما صُنِّف أقاربه ذوُو الهدب الطويل على أنَّهم كازمصوريَّات.

شكَّك الأحيائي س. م. ستينبرگ بالنظرية التي يتَّفق عليها العلماء آنذاك وزعم أنَّ التريسيراتوپس أكثر ارتباطًا بالأراينوسيراتوپيَّات والكازموصوريَّات من السنتوصوريَّات، بناءً على التشابهات في ملامح الجمجمة والقرون، ممَّا يجعل التريسيراتوپس جنسًا من فئة السيراتوپسيَّات (أو الكازموصوريَّات كما تُسمَّى أيضًا). تجاهل هذا الرأي مُعظم علماء عصره، بينما قام علماء أحافير معروفون مثل جون أوستورم وديڤيد نورمان لاحقًا بتصنيف التريسيراتوپس مع السنتوصوريَّات.

أيَّدت الاكتشافات والدراسات اللاحقة رأي ستينبرگ بحالة التريسيراتوپس التصنيفيَّة، وفي عام 1990 عرَّف الأحيائي ليمان فصيلتي الأراينوسيراتوبيَّات والكازموصوريَّات وصنَّف التريسيراتوپس على أنه ديناصور سيراتوپسيّ، ممَّا يتماشى مع وجهة نظر ستينبرگ القديمة، مستنداً بذلك إلى عددٍ من التشابهات الشكليَّة الكبيرة بين التريسيراتوپس وتلك المجموعات. بواقع الأمر، ينجسم التريسيراتوپس كثيرًا مع فصيلة السيراتوپسيَّات، فهو لا يختلف معها إلا بسمةٍ شكليَّة بارزة أساسية هي الهُدب القصير وراء الرقبة. أجرى پيتر دودسون بحوثًا إضافيَّة من بينها دراسة جينيَّة لهذه المجموعات من الديناصورات عام 1990[ ودراسة RFTRA (تحليل مقاومة ثتا ثرو) سنة 1993 (وهي تقنية تعمل على قياس تشابُهات شكل الجمجمة بصورة منهجيَّة)، وقد أيَّدت بحوثه جميعها انتماء التريسيراتوپس إلى فصيلة السيراتوپسيَّات.

الأسنان والغذاء :

كان التريسيراتوپس حيوانًا عاشبًا، وبسبب ارتفاع رأسه المنخفض فلعلَّه تغذى بصورةٍ أساسيَّة على النباتات القصيرة، إلا أنَّه رُبَّما كان قادرًا على رفع جسده لسحب النباتات الطويلة بقرونه ومنقاره. ينتهي فكُّ هذا الديناصور بمنقار طويلٍ ونحيلٍ يعتقد أنَّه كان يستعمل للإمساك بالنباتات واقتلاعها بسهولةٍ أكبر، وليس للعضّ.

كانت أسنان التريسيراتوپس مُرتَّبةً في مجموعاتٍ تضم كلٌّ منها 36 إلى 40 عمود أسنان في كلِّ جهةٍ من الفك، وقد كانت تصطف 3 إلى 5 أسنان وراء بعضها في كل عمودٍ اعتماداً على حجم الحيوان. يُعطي هذا رقماً كليًّا يتراوح من 432 إلى 800 سنة في فك التريسيراتوپس البالغ، إلا أنَّ عددًا صغيرًا جدًّا منها كان يُستَعمل على أرض الواقع في الآن ذاته (رغم ذلك، كان استبدال الأسنان ظهاةر مستمرَّة أثناء حياة الديناصور). وكانت هذه الأسنان تنطبق بصورةٍ عموديَّة أو شبه عموديَّة. قد يعني العدد والحجم الكبيران لأسنان هذه الديناصورات أنَّها أكلت كميَّات ضخمة من النباتات ذات الألياف، قد تكون تضمَّنت الفوفلية والسيكاسيات والسراخس الأخرى التي نمت في بيئته.

وظيفة القُرون والهدب :

ثمَّة العديد من التخمينات حيال السِّمات الخاصة برأس التريسيراتوپس. وقد ظهرت نظريَّتان أساسيَّتان انقسم العلماء بينهما، هُما استعمال القرون والهدب بالقتال أو بالاستعراض أثناء موسم التزاوج، ويميل الرأي العلمي حاليًّا إلى أنَّ النظرية الثانية تعطي الغرض الجوهري الحقيقي لهذه السمات.

اعتقد الأحيائي لَلْ في بداية الأمر أنَّ الهدب ربَّما كان يساعد عظام الفكِّ على مضغ الطَّعام بإتاحة مساحةٍ إضافية لتنمو فيها العضلات، ممَّا يعطي الفك مقدارًا أكبر من القوَّة. وقد اقترح علماء آخرون هذه النظرية على مرِّ السنين، إلا أنَّ الدراسات اللاحقة لم تجد دلائل على تكوُّن أي عضلاتٍ كبيرة بين عظام الهدب.

اعتقد طويلاً أن التريسيراتوپس استعمل قرونه وهُدبه أثناء الاشتباك مع مفترسيه الطبيعيِّين مثل التيرانوصور، وقد كان أوَّل من اقترح هذه الفكرة هو الأحيائي س. هـ. ستينبرگ سنة 1917، وأعاد طرحها روبرت بكر بعده بسبعين عامًا. ثمَّة دلائل على أنَّ التيرانوصور قد خاض اشتباكاتٍ عنيفة مع التريسيراتوپس، بناءً على آثار جروحٍ شبه متعافيةٍ من تيرانوصور خلَّفها على قرن تريسيراتوپس، وقد كان هذا القرن مكسورًا أيضًا، ونمت فيه عظامٌ جديدةٌ بعد أن كُسِر. مع ذلك، ليس من المُؤكَّد أي الحيوانَين هو الذي بدأ العراك. بما أنَّ جرح التريسيراتوپس قد تعافَى، فمن الأرجح أنَّه نجى من المعركة وتمكَّن من دحر التيرانوصور. يُقدِّر عالم المستحاثات پيتر دودسون أنَّه في حالة وُقوع معركة يهاجم فيها تيرانوصورٌ التريسيراتوپس، فإنَّ اليد العليا ستكون للتريسيراتوپس، الذي سيستطيع الدفاع عن نفسه بإحداث جروحٍ قاتلة للتيرانوصور باستعمال قرونه الحادَّة. من المعروف علميًّا أيضًا أن التيرانوصور كان يتغذَّى على التريسيراتوپس، إذ تشير إلى ذلك أدلَّة منها عظام حرقفة وعجزٍ للتريسيراتوپس عليها آثار أسنانٍ عميقة.

من جهةٍ أخرى، أظهرت الدلائل أنَّ التريسيراتوپس استعمل قرونه للاشتباك مع بني جنسه. تظهر الدراسات أنَّ هذا السلوك يُمكن أن يكون ملائمًا لوظيفة القرون لشبهه باستعمالات القرون الحيوانات الحديثة، إلا أنَّ ثمة خلافًا بين العلماء حوله. فمع أنَّه يُمكن نسب العديد من آثار الضرر المكتشفة على جماجم التريسيراتوپس (مثل الحفر والثقوب والندب) إلى معارك التريسيراتوپس مع بني جنسه، إلا أنَّ دراسة أجريت سنة 2006 لم تجد أيَّ دليلٍ على أن النطح بالقرون يُمكن أن يسبِّب هذه الأنواع من الأضرار (فعلى سبيل المثال، لم يعثر على دلائل للالتهاباتٍ في الجروح أو تعافٍ لها). وعلى النَّقيض من التفسير التقليدي، يعتقد العلماء الذين أجروا هذه الدراسة أنَّ السباب وراء أضرار الجمجمة تلك هي الارتشاف العظميّ (أمراضٌ عظميَّة غير معروفة). قارنت دراسة حديثةٌ أخرى كثرة أضرار الجمجمة بين التريسيراتوپس وأنواع السنتوصوريَّات، وأظهرت نتائجها أنَّ هذه الأضرار كانت مترافقةً مع استعمال قرون التريسيراتوپس في المعارك واستخدام هُدبه كدرع للحماية، بينما قد توحي مُعدَّلات أمراض العظام الأقل عند السنتوصوريات بأنَّها استعملت نوعًا من القتال ركَّزت فيه على استهداف الرأس عوضًا عن الجسد. وقد تبيَّن أنَّ نسبة الإصابات عند هذه الكائنات تصل إلى 14%. استنتج الباحثون أيضًا أن الأضرار التي وجدت في جماجم التريسيراتوپس كانت في الكثير من الأحيان منحصرةً بمساحاتٍ ضيِّقة جدًّا لتكون آثار أمراضٍ عظميَّة. تظهر الدراسات أن هدب التراسيراتوبس كان مُكوَّنًا من عظمي ليفي يحتوي خلايا ليفيَّة يافعة، وهي خلايا تؤدي دورًا جوهريًّا في معافاة الجروح وهي قادرةٌ على إعادة تكوين العظام بسُرعة.

عثر في إحدى الحالات على جُمجمة لتريسيراتوپس فيها ثقب بالعظام يبدو أنَّه جرحٌ أصيب به الحيوان عندما كان على قيد الحياة، وممَّا يدعم ذلك وُجود آثارٍ لتعافي العظام حول الجُرح المفترض. عند إجراء الفحوصات الدَّقيقة، تبيَّن أن قُطر الجرح مقاربٌ جدًّا لقطر النهاية المستدقَّة لقرن التريسيراتوپس. يُمكن لهذا ولجراحٍ متعافية أخرى في جماجم السيراتوپسيَّات أن تكون دلائل على وقوع معارك غير قاتلة بين ديناصورات التريسيراتوپس وبني جنسه أنفسهم.

من المُحتمل أيضاً أن هدب التريسيراتوپس الكبير قد ساعدَ على زيادة مساحة جسمه لتنظيمن حرارة الجسد. وقد طرحت سابقًا نظريَّة شبيهة تعطي نفس الوظيفة لصفائح الستيغوصور، إلا أنَّ هذا الاستعمال وحده لا يكفي لتفسير الاختلافات الواسعة بين أهداب الأنواع المختلفة من السيراتوپسيَّات. تُؤيِّد هذه الملاحظة بقوَّة ما يُعتَقد الآن أنَّه الوظيفة الأساسية لهدب التريسيراتوپس، وهو الاستعراض خلال التزاوج.

كان أول من اقترح نظريَّة الاستعمال بالاستعراض الجنسي هو ديفيتاشيفيلي سنة 1961، وقد حازت النظريَّة تأييدًا متزايدًا منذ ذلك الحين. يُمكن ملاحظة أن الاستعراض كان وظيفة مهمَّة للهدب (سواءٌ في التزاوج أو السلوك الاجتماعي عمومًا) بحقيقة أن الديناصورات ذوات القرون تختلف اختلافًا شديدًا بخصائص قرونها وأهدابها، ممَّا يجعل كل واحدٍ من أنواعها مستقلاً ومُتميِّزًا بدرجة كبيرة. ويُمكن أيضًا التدليل على ذلك بأن الحيوانات الحديثة ذات القرون تستعمل قرونها بنفس الطريقة تمامًا. أظهرت دراسة أجريت سنة 2006 لجمجمة تريسيراتوپس (يُعتَقد أنها تعود إلى حيوانٍ يافع) أنَّ الهدب والقرون كانت تظهر منذ سنٍّ مبكِّرة جدًّا تسبق النُّضج الجنسي، وبالتالي فهي تؤدي دورًا مهمًّا في الاتصال البصري والتعرُّف على الأفراد.

تطوُّر الأجنَّة والنُمو :

نشرت في سنة 2006 أوَّل دراسة شاملة لنموِّ ودورة حياة التريسيراتوپس في مجلَّة الجمعيَّة الملكيَّة، والتي عمل عليها الباحثان جون ر. هورنر ومارك غودوين. أظهرت الدراسة أنَّه يُمكن تقسيم أفراد الترايسراتوبس إلى أربع فئاتٍ عُمريَّة عامَّة، هي الأطفال واليافعون وأشباه البالغين والبالغين. شملت الدراسة 28 جُمجمة، كانت أصغرها بطول 38 سنتيمترًا فحسب، وقد تمكّن العلماء من ترتيب 10 من هذه الجماجم بحسب العُمر الذي تعود إليه.

وضعت صفاتٌ خاصَّة تُعرِّف كل مرحلة من مراحل نمو هذا الديناصور، واكتشفت أثناء الدراسات صفات نموٍّ مختلفة، منها تطور وتغيُّر اتجاه القرون، ونمو تجاويف عظميَّة داخلها.

هذه المعلومات تم تجميعها من موسوعة ويكيبيديا


الإبتساماتإخفاء