من أخبار النساء الحاكمات
في هذه المقالة سنتعرف على ثلاثة نساء كن حاكمات :دلوكة بنت الزباء :
كانت صاحبة عقل وكمال، وتجارب ومعرفة، أما زمنها فكانت في زمن موسى عليه السلام، ولما أغرق الله فرعون، كان لها من العمر فيما قيل مائة وستون سنة. جاء في كتاب «حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة»: أنه لما أغرق الله فرعون في النيل هو وجنوده، وأشراف أهل مصر وأكابرهم ووجوههم، وكانوا أكثر من ألفي ألف، بقيت مصر خالية من الأشراف، ولم يبق إلا العبيد والأجراء والنساء، وصارت المرأة تعتق عبدها وتتزوجه، وتتزوج الأخرى أجيرها، فاجتمع أشراف من بمصر من النساء وعقدن رأيهن على أن يولين منهن واحدة، فاستقر رأيهن على أن يولين عليهن (دلوكة بنت الزباء)، فملكوها عليهن، وخافت أن يتناولها ملوك الأرض، فجمعت نساء الأشراف، وقالت لهن: إن بلادنا لم يكن يطمع فيها أحد، وقد هلك أكابرنا وأشرافنا، وذهب السحرة الذين كنا نتقوى بهم، وقد رأيت أن أبني حصنا أحدق به جميع بلادنا، وأضع عليه المحارس، فبنت جدارا أحاطت به على جميع أرض مصر كلها حتى المزارع، والمدن والقرى، وجعلت دونه خليجا يجري فيه الماء، وأقامت عليه القناطر، وجعلت فيه محارس ومسالح على كل ثلاثة أميال محرس ومسلحة، وفيما بين ذلك محارس صغار على كل ميل، وجعلت على كل محرس رجالا وأجرت عليهم الأرزاق، وأمرتهم أن يحرسوا بالأجراس فإذا أتاهم أحد يخافونه ضربوا الأجراس من أي جهة كانت فيتحصنون، وفرغت من بنائه في ستة أشهر. وكان عندهم عجوز ساحرة اسمها (تدورة)، كانت السخرة تعظمها، وتقدمها في السحر، فأرسلت إليها (دلوكة) تقول: إنا قد احتجنا إلى سحرك، فاعملي لنا شينا نغلب به من حولنا، فقد كان فرعون مع ملكه محتاجا إليك، فقدمت إليهم وعملت بيتا من حجارة في وسط مدينة (منف)، وجعلت له أربعة أبواب، وصورت فيه صور الخيل والبغال والحمير والسفن والرجال، وقالت لهن: هذا يغنيك عن الحصن، فمن أتاكم من أية جهة تتحرك الصور من تلك الجهة التي يأتون منها، فما فعلته الصور من شيء أصاب العدو ذلك في أنفسهم.
ولما بلغ الملوك ولاية النساء طمعوا فيهن، وإذا دنوا منهن تحركت تلك الصور وأصابت ذلك الجيش الذي أقبل، من قطع الرؤوس وقلع العيون، وبقر البطون فيعودون بالخيبة. (يعلق على هذا الدكتور/ يحيى الجبوري بقوله: "لا شك أن هذا الكلام ضرب من الخرافة، ولا يصدقه العقل").
وملكتهم (دلوكة) عشرين سنة، حتى بلغ من أبناء أكابرهم رجل يقال له (دركون بن بطلوس)، فملكوه عليهم.
- المراجع :
الروضة الفيحاء: 298-297، نهاية الأرب 1/ 393-392، مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري 239/1، آثار البلاد وأخبار العباد: 139، حسن المحاضرة 28/1.
النضيرة بنت الساطرون :
و(الساطرون) هو: (الضيزن)، من قبيلة قضاعة، وهو ملك مدينة الحضر، وأصله من الجرامقة، وكان ظالما جبارا، كان يشن الغارات على القبائل، فبلغ خبره إلى الملك (كسرى سابور)، فتجهز (سابور) بالعسكر وقدم إلى حرب (الساطرون)، وحاصر مدينة الحضر أربع سنين، وقيل سنتين، ولم يقدر (سابور) على أخذها، فاتفق أن (النضيرة بنت الضيزن)، حاضت وخرجت إلى ربض المدينة، وهذه عادتهم، وكانت من أجمل النساء، فنظرت إلى (سابور)، وهو أجمل أهل زمانه، فعشقته وعشقها، وأرسلت إليه: ما تجعل لي إذا ملكتك البلاد؟ فقال: أرفع قدرك، وأحكمك على نسائي، فقالت له: خذ حمامة ورقاء مطوقة، فاكتب على رجلها من دم حيض بكر زرقاء، ثم ارسلها فإنها تقع على السور فينهدم، ففعل (سابور) ذلك، وانهدم السور وملك المدينة (سابور)، وقتل (الضيزن) وأصحابه، وكان هذا طلسم ذلك البلد (طلسم وجمعها طلاسم هي خطوط وكتابات لا تحتوي على معنى واضح ومفهوم يستخدمها السحرة أو أتباع بعض المعتقدات وتكون تعويذة ما يزعم أنها تدفع كل مؤذ وأو تجلب الحظ السعيد)، وأخرب المدينة وهي إلى الآن خراب، وأخذ (النضيرة) فأعرس بها في (عين التمر)، فلم تزل ليلتها تتضور (تتلوى) وتتألم، فالتمس ما يؤلمها ويؤذيها، فإذا ورقة آس (الآس: نبات عطر ذو ثمار كروية ويدعى أيضا بالريحان) ملتزقة بعكنة من عكن بطنها (العكنة: طوية لحم في جسم الانسان من السمنة)، فقال لها: ما كان يغذوك به أباؤك؟
قالت: بالزبد والمخ وشهد الأبكار من النحل وصفو الخمر. فقال لها: إذن هذا كان منك جزاء لأبيك، قتلته وقتلت أصحابه، وأخربت دياره. فأمر رجلا من خدامه، فركب فرسا جموحا ثم عصب غدائر الضفيرة (ما يتدلى من شعر الرأس) بذنب الفرس واستركضها، فقطعها قطعا وماتت.
- المراجع:
الروضة الفيحاء 307-306, أعلام النساء 1558-1557/3. الأغاني 144-141/2 ط دار الكتب، تاريخ الطبري 1 ق 2: 830-829.
سجاح بنت الحارث التميمية :
كانت صاحبة نيرنجات وشعبذات (النيرنجات جمع النيرنج وهو: الحيلة والمكر والسحر والطلسم. أما الشعبذ فهو: من مهر في الاحتيال وأرى الشيء على غير حقيقته، معتمدا على خداع الحواس)، وبلغ من أمرها أنها ادعت النبوة، وذلك في العام الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبعها بنو عمها، وأظهرت لهم أنها أنزل عليها سورة مثل القرآن، فمنها: "يا أيها المتقون، لنا نصف الأرض ولقريش نصفها، ولكن قريش يبغون"، فتبعها بنو عمها بنو تميم وأخوالها بنو تغلب وبنو ربيعة، وعظمت عندهم، وكثرت جيوشها، واشتهرت بين الناس، وأظهرت دعوتها وقصدت (مسيلمة الكذاب)، وكان في اليمامة مقامه، وقومه بنو حنفة، ولما قربت (سجاح) من اليمامة خرج إلى قتالها مسيلمة ونزل قريبا منها، ثم أرسل لها يريد الاجتماع بها فقبلت ذلك، وأرسلت تستدعيه، فأمرها أن تبعد قومها، ففعلت، فضرب لها مسيلمة قبة مبخرة، بخرها بالعود والعنبر والمسك وطيبها، وسبب ذلك الطيب أن النساء إذا شممن رائحة الطيب هجن للجماع، فسارت (سجاح) إليه، دخلت القبة، واجتمعت به تحت القبة، وقالت له: ما أوحي إليك؟ فقال: "ألم تر كيف ثم قالت: وما أنزل فعل ربك بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، بين صفاق وحشا" عليك أيضا؟ قال: "إن الله خلق للنساء أفراجا، وجعل الرجال لهن أزواجا.... ثم يخرج ما يشاء إخراجا"، فقالت: أشهد أنك نبي حق، فقال: هل لك أن أتزوجك فأكل بقومي وقومك العرب؟ قالت: نعم. فقال (شعرا بذيئا يدعوها فيها إلى الجماع)... فوافقت.....، فأقامت عنده ثلاث ليال، ثم خرجت من عنده، وقدمت إلى قومها، وهم لها منتظرون، فلما دنت منهم سألوها عنه، فقالت: وجدته نبيا حقا فاتبعته وصدقت به.
ثم بعث مسيلمة يخطبها من قومها فزوجوه إياها، وطلبوا مهرها منه. فقال لهم: قد وضعت عنكم صلاة العصر!، وذلك لزيادة تأكيدها بالفريضة، لقوله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين)، قيل: هي صلاة العصر فبنو تميم -كما زعموا- لا يصلون العصر، ويقولون: هذا مهر كريمتنا، ودخل عليها مسيلمة وصب نبوته في رحمها. ولم تحمل منه. وقتل مسيلمة الكذاب في
أول خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان لمسيلمة نيرنجات، وبذلك اغتر قومه. ومن أقواله: "أخرج لكم حنطة وزوانا، ورطبا وتمرانا". ولما قتل (مسيلمة الكذاب) انتقلت (سجاح) إلى أخوالها بني تغلب، وقد ذهبت نبوتها بقتل زوجها، وأقامت في بني تغلب، فلما ولي الخلافة معاوية، ونفى بني تغلب أسلمت (سجاح)، وانتقلت إلى البصرة، وأقامت هناك إلى أن توفيت سنة 55ه.
- المراجع:
الروضة الفيحاء: 316-313، تاريخ الطبري 263/3، 273، تاريخ ابن الوردي 142-141/1، أعلام النساء 583-580/2، الاصابة، النساء ت 610. الأعلام 122/3، فتوح البلدان 1/ 118، الدر المنثور: 236.
المصدر : كتاب النساء الحاكمات من الجواري والملكات.
الإبتساماتإخفاء