إعلان

الحانوت - قصة حقيقية

الحانوت

الحانوت - قصة حقيقية

كان معدما لكنه كان سعيدا. ومثله في السعادة بل يتجاوزون كان هو و زوجته وأبناؤه الخمسة وأختيه وأمه الطاعنة في السن. 

يقول عنهم جاره (الحاكم في المحكمة العليا) أن تلك العائلة تكون في قمة سعادتها حين يعود عائلهم مساء كل يوم حاملا قليلا من قليل الزاد حتى يصنعوا به ما يظنون أنه يعد عشاءا. 

رب أسرتهم كان صاحب حانوت فقير في طريق فرعي، يبيع فيه أنواعا لا تزيد عن عدد الكف الواحد من الخضار، ولا يبيعها إلا للفقراء من جيرانه، لأن الأغنياء لا يعلمون بوجوده أصلا ولا بوجود حانوته الصغير، فهم يتسوقون من السوق المعروف وليس من قارعة الطريق. 

كان إذا باع بمكسب متواضع اشترى به قليلا من لحم وخبز يجلبه مساءا لعائلته السعيدة بعودته. أما حينما يضطر للبيع برأس المال فإنه يعود لعائلته بما بقي من خضار أيف الفقراء عن شراءها، والعائلة سعيدة على كل حال والحياة تسير على خير ما يرام. صحيح أنه يطلق على الخربة التي يسكنها بيتا لكنه متيقن في قرارة نفسه أنه قصر، إذ أن السعادة تسكنه، والحياة تسير، إلى أن.. 

إلى أن زارت الشرطة يوما بيته وهو غير موجود، أو بالأحرى أصبح موجودا حال حضورهم، فقد كان يرافقهم محمولا. كانت الشرطة لا تحمله تكريما له، أو تجريما لشيء يده صنعته، بل تحمل جثته كي تسلمها أهله! 

نعم ففي ذلك اليوم المشؤوم باع كل الخضار في حانوته بمكسب جيد فرح به وأسرع نحو السوق يشتري لحما وخبزا لأهله ولما عبر الشارع كان على موعد غير معلوم مع سيارة طائشة سرقت البقية من حياته. 

فجعت العائلة بوفاة عائلها، جمع الجيران ما يستطيعون لتخريج الميت من الدنيا وأعطوا الفائض مما جمعوا لأهله. وبعد يومين بالضبط انتهى ذلك الفائض الهزيل، حلت المصيبة الثانية بتلك العائلة وهي أنه من يصرف عليهم الآن؟ أكبر الأولاد؟ ذلك الفتى ذو ال 15 ربيعا ويدرس في الثاني المتوسط؟ هذا لا يجوز لكن شظف العيش أجاز ذلك. 

بدأ الفتى بالعمل في حانوت والده، يعود كل مساء محملا بما يجود به الرزق، وعاد كل شيء بالتدريج كما كان إلا السعادة التي كانت تلازم العائلة، كانت قد فارقتهم إلى حين. ومضت الحياة لكن.. 

بعد ٣ أعوام تم استدعاء العائل الصغير إلى الخدمة العسكرية الإلزامية، وعادت المعاناة للأسرة التي لم يبرأ جرحها السابق. فكروا كثيرا هل يلبي الابن الطلب الإلزامي ويتولى أخوه الأصغر العمل مكانه؟ أم تدفع العائلة البدل النقدي كي تطلق العسكرية سراح ابنهم. 

كان الصغبر في نهاية مرحلته الإعدادية، ومن المؤسف أن يترك المدرسة وقد وصل إلى هذا الحد خصوصا أنه لم تبق سوى سنة واحد على تخرجه. 

استقر الرأي على الحل الأقل مرارة وهو أن ترهن العائلة بيتها الصغير لدفع دية الابن الكبير. 
التحق الابن بالعسكرية وأصبح أمام العائلة مهلة شهر كي يدفعوا المبلغ المعلوم كي يعود. عرضوا منذلهم للبيع واستغرق إيجاد المشتري 20 يوما.
اضطرت الأم خلال تلك الفترة إلى الاستدانة من أحد السماسرة ورهن صك البيت كي تطعم من فيه، كما استغرقت إجراءات نقل الملكية 9 أيام بيروقراطية وبقيت على مهلة دفع دية العسكرية يوم واحد. 
أسرعت الأم و تحمل المال إلى موقف السيارات كي تركب إلى المدينة التي يخدم فيها ابنها الأكبر لدفع ديته، ولكن السيارات كانت أكثر من الركاب ولما أيقنت المسكينة أنها لو انتظرت اكتمال الركاب فلن تلحق على الموعد؛ عرضت على صاحب السيارة دفع أجرة السيارة مكتملة فوافق على أخذها وحيدة دون انتظار ركاب. 
وفي الطريق الطويل سأل السائق الراكبة عن سبب ذهابها للمدينة فحكت له في دقائق ملخص آخر 3 سنين من حياتها. اختلطت المشاعر على السائق بعد سماع القصة، مشاعر عجب وفرح! 

نعم فرح، فقد أصبح حينها أكبر همه هو الظفر بما تحمله تلك البائسة من مال للفدية، ولتذهب هي وأبنائها إلى الجحيم. توقف السائق في مكان منقطع وجر الأم المسكينة إلى الوادي المقفر وسدد لها عدة طعنات مكنته من أخذ ما تحمل من مال وغادرها تسكب الدماء. 

اتجه السائق الشيطان إلى المدينة التي كانت الأم متجهة إليها بدلا من أن يعود من حيث أتى ويشك في أمر سرعة عودته. وكان حظه الجيد مستمرا في الحدوث كما يظن، إذ أنه استطاع ملء سيارته بالركاب بسرعة واتجه بهم عائد إلى قرية المرأة المغدورة. وفي الطريق وكعادة أي مجرم توقف حيت ارتكب جريمته قبل ساعات بالقرب من الوادي، مدعيا حاجته لتلبية نداء الحاجة. نزل إلى الوادي ليلقي نظرة على ضحيته لكن هاله أنها لا تزال تملك بعض الأنفاس، فأراد إكمال الجريمة وحمل صخرة ضخمة كي يهشم بها ما بقي من الأم وحينها دوت صرخة عالية تردد صداها فى كل الوادي. 
لم تكن صرخة الأم وإنما صرخة السائق الذى لدغته أفعى كانت تحت الصخرة التي رفعها. سمع الركاب الصرخة ونزلوا للوادى ورأوا فيه الرجل والمرأة ممددين. استطاعت المسكينة أن تحكي للركاب ما جرى من السائق الذي وجدوا جيبه المال فأعادوه إليها، ثم رفعهما الركاب و أشاروا إلى سيارة كانت تعبر الطريق المعاكس 
عائدة إلى المدينة التي كانت ستقصدها المرأة منذ البداية. حملهما صاحب السارة الشهم وفي الطريق فارق المجرم الحياة متأثرا بالسم وأخذت الأم إلى المستشفى. 

علم الابن العسكري بما جرى لأمه واتجه لها سريعا بعد تعاطف قائده معه، وجد بقية حياة في الأم التى كانت تخرج من غيبوبة لتدخل في أخرى وفى لحظات يقظتها ألحت بضعف على الابن أن يأخذ المال ويدفع به عن نفسه، وفعل.

ولما علم الجيران والناس بتلك القصة العجيبة جمعوا للأسرة ما استطاعوا من مال وبدأ الميسرون يساعدون، حتى خلصوا الصك المرهون من براثن السمسار، كما تنازل المشتري عن الدار .

وتمر الأيا ويشفي الله الام ويعود الابن إلى حانوته، ويزيد الرزق حتى يفيض ويتغير حال تلك الأسرة إلى أسرة يعولها ابن تاجر رزقه الله من بعد ذلك الحانوت الحقير بمال وفير، حاول به إسعاد أسرته ومن أحتاج إليه.

وتمر السنين، ويتخرج جميع الأبناء الباقين، منهم المحامي ومنهم الطبيب وضابط الجيش. 
واليوم على ضفاف نهر دجلة تجد تلك الد ر العامرة لأربع أسر نواتها تلك الأسرة باقين حتى اليوم.


الإبتساماتإخفاء