عجائب الدنيا السبع
عجائب الدنيا السبع (أو عجائب الدنيا السبع في العالم القديم) تشير إلى منشآت رائعة من العصور الكلاسيكية القديمة، التي تم ذكرها في العديد من الكتيبات الإرشادية السياحية التي اشتهر تداولها بين السياح في اليونان القديمة. لا سيما في القرنين الأول والثاني قبل الميلاد، أبرز هذه الكتيبات هو كتيب ألفه أنتيباتر الصيداوي وفيلون البيزنطي، يضم الكتيب سبعة عجائب تقع جميعها حول حوض البحر المتوسط، تم تأليف عدة كتب تبعت الكتيب الأصلي وسردت في أغلب الأحيان سبعة عجائب، يعتبر هرم الجيزة العجيبة الوحيدة التي مازالت سليمة نسبياً حتى وقتنا الحالي مئة بالمئة.
فتح الفاتحون اليونانيون القُدامى معظم ماعرف من العالم في القرن الرابع قبل الميلاد، مما أعطى السياح اليونانيين فرصة وسهولة الوصول للبلدان الحضارية القديمة وزيارتها، مثل الحضارة الفرعونية والفارسية والبابلية، وفتن هؤلاء السياح بالمعالم والعجائب التي شاهدوها في هذه البلدان، فبدأ السياح بتسجيل مارأوه على الورق ليتذكروها لاحقاً. وكان كل شخص يحمل نسخته الخاصة من هذه القائمة، ولكن أفضل النسخ الموجودة كانت لشاعر يوناني يدعى أنتيباتر الصيداوي، والتي ألفت من 140 سنة قبل الميلاد. وكتب أيضاً عالم الرياضيات فيلو البيزنطي كتاباً أسماه (معالم العالم السبعة)، لكن المخطوطة الوحيدة التي بقيت من هذا الكتاب ذكرت ستة عجائب فقط، اتفق فيها جميعاً مع أنتيباتر الصيداوي. وكان قد استبدل الأخير في أحد نسخه عجيبة منارة الإسكندرية بجدران بابل، وقبل بناء تمثال رودس استعاض المؤلفون التمثال بعجيبة بوابة عشتار. وحفظ متحف الإسكندرية نسخاً مرجعية لكتب كل من المؤرخ هيرودوت والمعماري كاليماخوس القوريني، تتحدث عن عجائب الدنيا السبع القديمة.
كان تمثال رودس آخر هذه العجائب بناءً، فقد انتهى بناؤه في العام 280 قبل الميلاد، وكان أولها زوالاً، بسبب الزلزال الذي حصل في العام 225/226 قبل الميلاد، وبالتالي، فإن العجائب السبعة ظلت صامدة في نفس الوقت لمدة لا تزيد عن 60 سنة.
1- الهرم الأكبر بالجيزة :
الهرم الأكبر أو هرم خوفو هو الأثر الوحيد الباقي من عجائب الدنيا السبع، ويقع بمنطقة أهرام الجيزة في مصر المسجلة ضمن مواقع اليونيسكو للتراث العالمي. يعود بناء الهرم إلى نحو سنة 2560 قبل الميلاد حيث شيد كمقبرة لفرعون الأسرة الرابعة خوفو واستمر بناؤه لفترة 20 عامًا. يعد بناء الهرم الأكبر نقلة حضارية كبرى في تاريخ مصر القديم، وقد تأثر خوفو بأبيه الملك سنفرو في بناء هرمه؛ فبعد موته، أصبح خوفو الإله الحاكم على الأرض، وأصبح من الضروري أن يفكر في بناء مقبرته والتي تعد المشروع القومي الأول في مصر القديمة، الذي اشترك في بنائه عمال محترفون من جميع أنحاء مصر. وظل الهرم الأكبر بارتفاعه الأصلي الذي كان يصل إلى 148 متر أعلى بناء أتمه الإنسان على الأرض على مدى 3800 سنة.
كان الأمير حم إيونو هو مهندس الملك خوفو - ويوجد له تمثال أكبر من الحجم العادي من الحجر الجيري محفوظ في متحف رومر-بيليزيوس في مدينة هيلدسهايم في ألمانيا. وقد أرسل الكهنة والمهندسين إلى مدينة أون كي يختاروا اسمًا للهرم، وكان ذلك الاسم هو: "آخت خوفو"، أي بمعنى "أفق خوفو". فهو يمثل الأفق الذي سيستقل منه الإله رع مراكب الشمس كي يبحر بها وتجدف له النجوم، ويقتل بمجاديفها الأرواح الشريرة في العالم الآخر ليفنى الشر فيقدسه شعبه. والملك خوفو هو أول ملك يعتبر نفسه الإله رع على الأرض. ونلاحظ أن ابنه خفرع وحفيده منقرع يدخل في اسمهما اسم الإله رع.
2- حدائق بابل المعلقة :
حدائق بابل المعلقة إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، وهي العجيبة الوحيدة التي يُظن بأنها أسطورة، ويُزعم بأنها بنيت في المدينة القديمة بابل وموقعها الحالي قريب من مدينة الحلة بمحافظة بابل، العراق، وهي أول تجربة للزراعة العامودية في التاريخ. ومؤخراً كشفت الدراسات التي أجرتها ستيفاني دالي، في جامعة أكسفورد المتخصصة في الدراسات الشرقية وتحديدا في بلاد ما بين النهرين، نظرية استندت على أبحاث استغرقت 20 عاماً، إذ قررت دالي تركيز بحثها مئات الأميال إلى الشمال من مدينة بابل القديمة، حيث مدينة نينوى التي تقع على بعد حوالي 450 كلم شمال بابل، والتي تمثلها في الوقت الحاضر مدينة الموصل شمال العراق.
ووفقاً لتقديرات بعض علماء الري إضافة إلى نجاح ستيفاني نظرياً في فك طلاسم إحدى القرائن المعروضة في المتحف البريطاني، وهي رقيم (لوح) طيني مكتوب باللغة المسمارية القديمة يبلغ عمره حوالي 2500 عام، حيث أستنتجت بأن العلماء وهم يبحثون عن آثار الحدائق المعلقة قد ضلوا الطريق حين كانوا يبحثون في المكان الخطأ.
وأشارت إلى أن الوصف التاريخي للحدائق، ظاهر وبقوة في قصر سنحاريب في نينوى، الملك الآشوري الذي عاش قبل نبوخذ نصر بمائة عام، حيث وصف في الرقيم "قصراً لا يضاهيه قصر". كما أن كتاباته تصف طريقة زراعة الأشجار على الرواق المسقوف مثلما وردت في وصف حدائق بابل تماماً.
وكان الملك سنحاريب قد أورد في هذا الرقيم معلومات مفصلة عن أعماله وعن المدينة وعن قصره وعن الحدائق ووصفها بأنها مكونة من أنواع مختلفة من الشجيرات والنباتات التي تشكل سياجاً حول القصور، مدوناً باللغة المسمارية القديمة، حيث تعد دالي من الأشخاص القلائل الذين يستطيعون قراءة هذه اللغة في العالم.
حدائق بابل المعلقة ليست هي المبنى المميز الوحيد الذي كان موجودا في بابل، لقد كان هنالك أسوار للمدينة ومبنى المسلة التي نسبت إلى الملكة سميراميس أيضاً من عجائب المدينة.
ولقد نسبت حدائق بابل المعلقة إلى الملك البابلي نبوخذنصر الثاني، الذي حكم بين العامين 562 و 605 قبل الميلاد. وذكر بأن سبب بنائها هو إرضاء زوجته ملكة بابل والتي كانت ابنة أحد قادة الجيوش التي تحالفت مع أبيه، والذي بذل الجهد الكبير في قهر الآشوريين. وكانت تدعى اميتس الميدونية والتي افتقدت المعيشة في تلال بلاد فارس وكانت تكره العيش في أرض بابل المسطحة. لذلك قرر نبوخذنصر أن يسكنها في مبنى فوق تل مصنوعة بأيدي الرجال، وعلى شكل حدائق بها تراسات.
3- هيكل آرتميس :
هيكل آرتميس هو معبد الإلهة اليونانية آرتميس (أو من كانت تدعى ديانا في الميثولوجيا الرومانية). تم الانتهاء من بنائه حوالي 550 ق.م في إفسوس (حاليا تقع في تركيا) ولا يوجد شيء من بقاياه الآن، ويعتبر الآن واحدا من عجائب الدنيا السبع.
بُني الهيكل بكامله من الرخام باستثناء السقف الخشبي المغطىَّ بالقرميد. ووهب المعبد للمعبودة الإغريقية آرتيميس. وقد قام بتصميمه المعماري كريسفرون، وابنه ميتاغينس. تصل أبعاد أساسات المعبد إلى 115 متر * 55 مترا، وبه أعمدة يصل ارتفاع الواحد منها إلى 12 مترا، تنتظم في صفين حول قدس الأقداس الساحة الداخلية. وقد قام كرويسوس ملك ليديا الثري بالتبرع ببعض الأعمدة.
أحرِق المعبد عام 356 ق.م وبُني معبد آخر شبيه على أساساته. ثم أحرق القوط المعبد الثاني عام 262 م، ولم تبق سوى الأساسات وجزء من المعبد الثاني. ويحوي المتحف البريطاني منحوتتين من المعبد الثاني.
4- تمثال زيوس :
بواسطة Sailko - عمل شخصي وCC BY 3.0 وhttps://commons.wikimedia.org/w/index.php?curid=40298471 |
زيوس هو كبير آلهة الإغريق القدماء، وأحد شخصيات الأساطير الإغريقية الشهيرة التي حظيت بإجلال وتقدير الشعب الإغريقي وذلك لقوته التي يمتع بها وبطولته وشجاعته، بحسب ما جاء في إحدى الأساطير التي تروي أنه أصغر أبناء إثنين من الآلهة الجبابرة، وهما كرونوس وريا، بينما كان بقية اخوته بوزيدون، هيرا (التي تزوجها فيما بعد)، ديمتر، وهيسيتا في عداد الأموات لأن أباهم كرونوس ابتلعهم فور ولادتهم ماعدا زيوس، الذي استطاعت أمه انقاذه عندما خبأته في جزيرة كريت التي نشأ وترعرع بها.
وعندما كبر أجبر والده كرونوس على إرجاع اخوته الذين ابتلعهم، وعندما فعل الأب ذلك اتحد الإخوة جميعا بزعامة زيوس للانتقام من الأب الذي تحالف مع آلهة آخرى. ولقد استطاع زيوس وإخوته تحقيق النصر والقضاء على الجبابرة، وأصبح ملكا على السماء، وصاحب الفضلية والكلمة العليا بين جميع الآلهة.
وتخليدًا وتمجيدًا لذلك الإله قرر مجلس الأولمبيا بناء تمثال ضخم للإله زيوس عام 438 ق.م، حيث عهد للنحات اليوناني الشهير فيدياس بنحت التمثال الذي بلغ ارتفاعه فوق القاعدة أكثر من 13 مترا، بينما بلغ ارتفاع القاعدة حوالي 6 أمتار.
وتم صنع جسد التمثال من العاج، بينما صنعت العباءة التي يرتديها زيوس في التمثال من الذهب الخالص، أما القاعدة فكانت من الرخام الأسود، وتعد الأثر الوحيد المتبقي من أجزاء التمثال.
5- ضريح موسولوس :
اتخذ الملك اليوناني القديم موسولوس في عام 337 ق.م. من مدينة هليكارناسوس (بودروم حالياً) عاصمة لمملكته كاريا التي تقع غرب الأناضول (تركيا حاليا)، تمتع هذا الملك بشهرة واسعة في عصره حيث كان ميالا لحياة البذخ والترف، مما دفعه لأن يشيد لنفسه وهو على قيد الحياة ضريحا فخمًا يتناسب مع مكانته، والذي سرعان مااعتبر من عجائب الدنيا السبع القديمة لضخامته، ونقوشه الباهظة التكاليف، وزخارفها التي تتسم بالبذخ والعظمة.
أطلق على هذا البناء في ذلك الوقت (موسوليوم). وفي العصر الروماني أصبحت كلمة "موزوول" (موسول) لفظا عاما يعني أي مقبرة ضخمة، حتى أن تلك الكلمة أيضا أصبحت ترجمتها بالعربية في العصر الحالي ضريح، حيث يطلق على أي مقبرة ذات تصميمات معمارية ضخمة.
يذهب بعض الباحثين إلى الاعتقاد بأن زوجة الملك موسولوس التي كانت تدعى "آرتميس الثانية" (Artemisia II) هي التي شيدت لزوجها الضريح بعد وفاته. كان الضريح الذي لم يتبق منه شيء اليوم، عبارة عن بناء مستطيل الشكل، ارتفاعه الكلي يبلغ حوالي 45 مترا، يتكون من ثلاثة أجزاء. المستوى السفلي منه عبارة عن قاعة ضخمة من الرخام الأبيض، يليه المستوى الثاني الذي يوجد به 36 عمودًا، موزعة على جميع أجزاء البناء، تحمل تلك الأعمدة سقفا على شكل هرم مدرج، تعلوه عربة فاخرة ذات أربعة جياد.
ما يميز الضريح الأعجوبة هو النقوش البارزة، والزخارف المنحوتة والتماثيل المتفاوتة الأحجام على الأعمدة، وعلى جميع أركان الضريح، التي كانت تحكي قصصا مصورة لبعض المعارك الأسطورية، كما يوجد بقاعدته دهليز يؤدي إلى غرفة بها الكثير من الكنوز والتحف الذهبية، كذلك كانت رفاة وعظام موسولوس التي تم حرقها طبقا للطقوس اليونانية، ملفوفة في قماش مطرز بالذهب، موضوعة داخل تابوت من الرخام الأبيض الفاخر. يوجد الآن مسجد في نفس المنطقة التي كان يوجد بها الضريح.
6- عملاق رودس :
عملاق رودس أو أبولو رودس أو هليوس رودس أو تمثال رودس يقع في مدخل من ميناء الجزيرة الخاصّة بالبحر الأبيض المتوسّط من رودس في اليونان. كان هليوس رودس من أشهر التماثيل الضخمة القديمة ، وقد حطمه زلزال في عام 227 ق. م وكان هذا التمثال مصنوعاً من البرونز المقوى بالحديد .
صُنع هذا التمثال البرونزي الضخم لإله الشمس هليوس، والذي نصب مطلا على المرفأ، من قبل المثال كارس (Chares) في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، ظل التمثال منتصبا في مكانه 200 سنة قبل أن يسقط بفعل الزلزال، وبقي مطروحاً هناك حتى عام 654م عندما استولى عليه تجار الخردوات المعدنية ونقلوه على ظهر الجمال إلى سوريا.
عملاق رودس يعد أحد تلك العجائب القديمة، ولم يتبق له أي أثر. وتعود قصة بناء التمثال إلى عام 304 ق.م.، عندما ارتبط روديان حاكم جزيرة رودس اليونانية في ذلك الوقت بعلاقات تجارية واقتصادية قوية مع بطليموس الأول سوتر حاكم مصر، مما أوغر صدر حاكم مملكة مقدونيا القديمة أنتيجونيدز الذي لم يرق له هذا التحالف فقرر محاصرة الجزيرة بغرض دخولها والاستيلاء عليها، إلا أن محاولاته باءت بالفشل فرفع الحصار. وعاد إلى بلاده تاركا خلفه ثروة من المعدات العسكرية والحربية التي قام روديانز بعد ذلك بجمعها وبيعها، وقرر استخدام المال في بناء تمثال ضخم لإله الشمس هليوس الذي كانوا يعبدونه.
قام النحات اليوناني القديم كارس تشاريز بنحت التمثال العملاق. تم صنع قاعدة كبيرة من الرخام الأبيض لوضع هيكل التمثال عليها كما تم تثبيت الأقدام والكاحل أولا ثم بقية أجزاء التمثال، وقام العمال بصب السائل البرونزي فوق الهيكل الحجري الذي صنعه النحات.
استغرق بناء التمثال حوالي 12 عاما وظل منتصبا في شموخ على مدخل الجزيرة لما يقرب من 200 عام حتى هدم بفعل زلزال مدمر ضرب الجزيرة.
7- منارة الإسكندرية :
منارة الإسكندرية (باليونانية: Φάρος της Αλεξάνδρειας) أو فنار الإسكندرية فاروس الإسكندرية - من عجائب الدنيا السبع التي ذكرها الإغريق، وكان موقعها على طرف شبه جزيرة فاروس وهي المكان الحالي لقلعة قايتباي بمدينة الإسكندرية المصرية. تعتبر أول منارة في العالم. أقامها سوستراتوس في عهد بطليموس الثاني عام 270 ق.م وكانت ترتفع 120 مترا ودمرت في زلزال عام 1323.
الثابت تاريخياً أن فنار الإسكندرية التي كانت من عجائب الدنيا السبع، قد أُنشأت عام 280 ق.م، في عصر«بطليموس الثاني»، وقد بناها المعماري الإغريقي«سوستراتوس»، وكان طولها البالغ مائةً وعشرين متراً، ويعتقد البعض أن الحجارة المستخدمة في بناء قلعة قايتباي هي من أحجار الفنار المدمر، كما أن موقع القلعة هو ذاته موقع فنار المنهار، وقد وصف«المسعودي»، في عام 944 م، الفنار وصفاً أميناً، وقدَّر ارتفاعها بحوالي 230 ذراعاً. وقد حدث زلزال 1303 م في عهد السلطان«الناصر محمد بن قلاوون»، فضرب شرق البحر المتوسط، ودمر حصون الإسكندرية وأسوارها ومنارتها.
وقد وصف«المقريزي»، في خططه، ما أصاب المدينة من دمار، وذكرَ أن الأمير «ركن الدين بيبرس الجاشنكير» قد عمَّر المنارة، أي رمَّمها، في عام 703 هـ. وبعد ذلك الزلزال المدمر بنصف قرن، زار«ابن بطوطة» الإسكندرية، في رحلته الثانية، في عام 1350 م، وكتب يقول:« وقصدتُ المنارة، عند عودتي إلى بلاد المغرب، فوجدتها قد استولى عليها الخراب، بحيث لايمكن دخولها ولا الصعود إليها؛ وكان «الملك الناصر»، شرع في بناء منارة بإزائها، فعاقه الموت عن إتمامها«.
ويروي المؤرِّخ المصري «ابن إياس»، أنه عندما زار السلطان«الأشرف قايتباي» الإسكندرية، في عام 1477 م، أمر أن يُبنى مكان الفنار برج جديد، وهو ماعُرف فيما بعد ببرج قايتباي، ثم طابية قايتباي، التي لا تزال قائمةً، حتى اليوم.
ومن الطريف، أن اسم جزيرة «فاروس» أصبح عَلَماً على اصطلاح منارة، أو فنار، في اللغات الأوربية، واشتُقَّت منه كلمة «فارولوجيا» للدلالة على علم الفنارات.وكان الفنار يتألَّف من أربعة أقسام، الأوَّل عبارة عن قاعدة مربَّعة الشكل، يفتح فيها العديد من النوافذ، وبها حوالي 300 غرفة، مجهَّزة لسكنى الفنيين القائمين على تشغيل المنار وأُسرهم. أما الطابق الثاني، فكان مُثمَّن الأضلاع، والثالث دائرياً، وأخيراً تأتي قمة الفنار، حيث يستقر الفانوس، مصدر الإضاءة في المنارة، يعلوه تمثال لإيزيس ربه الفنار ايزيس فاريا.
وقال جراتيان لوبير إن المنارة القديمة كانت مشيدة على صخرة تلاطمها مياه البحر من كل مكان وكانت ترتفع لعدة طوابق، ويحيط بكل طابق منها دهليز يدعمه صف من الأعمدة،وفي الليل يضيء البرج الموجود أعلاها شعلتين يراهما المسافر على بعد 300 غلوة من عرض البحر، أما في النهار فكان في البرج مرآة معدنية تنبه السفن للشاطئ قبل ظهوره في الأفق، وقد بنيت بعض أحجارها أنقاض مدن هليوبوليس وممفيس وطيبة، حيث نقلت إليها أعمدة ومسلات من المدن الفرعونية القديمة بتكاليف باهظة.
ولم يعرف أحد، يقيناً، كيف كانت تعمل المنارة، أو الفنار، وقد ظهرت بعض الاجتهادات، لم يستقر الخبراء وعلماء التاريخ على أيٍ منها. وثمَّة وصفٌ لمرآة ضخمة، كاسرة للآشعة، في قمة الفنار، كانت تتيح رؤية السفن القادمة، قبل أن تتمكن العين المجرَّدة من رصدها.
وقد كتب الرحَّآلة العربي القديم «ابن جبير»، أنَّ ضوء الفنار كان يُرى من على بُعد 70 ميلاً، في البحر. وهناك رواية تُفيد بأن مرآة الفنار، وكانت إحدى الإنجازات التقنية الفائقة في عصرها، قد سقطت وتحطَّمت في عام 700 م، ولم تُستبدل بغيرها وفقد الفنار صفته الوظيفية منذ ذلك الوقت، وقبل أن يدمِّره الزلزال تماماً.
ويُقال أن الصعود إلى الفنار، والنزول منه، كان يتم عن طريق منحدر حلزوني أما الوقود، فكان يُرفعُ إلى مكان الفانوس، في الطابق الأخير، بواسطة نظام هيدروليكي. وقد وصف فورستر طريقة أخرى لرفع الوقود (الخشب) إلى موقع الفانوس، فذكرَ أن صفَّاً طويلاً من الحمير كان في حركة دائبة، لايتوقف ليلاً أو نهاراً، صعوداً ونزولاً، عبر المنحدر الحلزوني، تحمل الوقود الخشبي على ظهورها!.
وفي مُفتتح القرن العشرين، قدَّم الأثري والمعماري الألماني«هرمان ثيرش» نموذجاً للفنار، في هيئة أقرب إلى نُصُب تذكاري، يرتفع كبرج فخم مكوَّن من ثلاثين طابقاً، ويحتوي على 300 غرفة.
الإبتساماتإخفاء