بلاد الرافدين - أول حضارة في التاريخ
تُعرف الحضارة في اللغة أنّها الإقامة في الحضر، وهي بذلك عكس البداوة، أمّا في الاصطلاح فإنّ الحضارة هي مجموعة المظاهر المختلفة في مجتمعٍ ما، أو في مجتمعات متشابهة، وتشمل هذه المظاهر الفنون، والآداب، والعلوم، وحتّى المظاهر الاجتماعيّة. ويُعتبر ابن خلدون أول من تعرّض لمفهوم الحضارة وناقش خصائصها، ولا تنحصر كتابات ابن خلدون ونظرياته عند العرب وحسب، بل كذلك في الثقافات والحضارات، واللغات الأخرى، ولهذا يُعتبر ابن خلدون مؤسس علم فلسفة التّاريخ وعلم الحضارة. وقد ذكر ابن خلدون أن الحضارة والبداوة لا بد من وجودها في الطّبيعة، إلّا أنّ البداوة تُعتبر أقدم من الحضارة؛ إذ إنّ البدو سابقون للمدن والحَضر.
بلاد الرافدين :
بلاد الرافدين أو بلاد ما بين النهرين هي منطقة جغرافية تاريخية تقع في جنوب غرب آسيا. تعد من أولى المراكز الحضارية في العالم. وهي تقع حاليًا في العراق، سوريا وتركيا ما بين نهري دجلة والفرات. وأشهر حضاراتها هي حضارة سومر وأكد وبابل وأشور وكلدان والتي نشأت من العراق. ومع إزدهار الحضارات في بلاد ما بين النهرين وفي اوقات متزامنه ومتعاقبة تم احتلال الأراضي المجاورة فأحتلت شرقًا أجزاء من إيران وتحديدا حضارة عيلام (وهي تعرف حاليا بمحافظة محافظة خوزستان) وأحتلت غربًا سوريا وصولًا إلى فلسطين حيث تم السبي البابلي في عهد نبوخذنصر. وبعد موت نبوخذنصر مرت حضارة ما بين النهرين في عهد الإنحطاط والتردي بينما نشأت وتطورت حضارة الفرس فتم احتلال بابل وما بعدها على يد قورش وأصبحت قطيسفون (حاليًا معروفة بإسم المدائن) جنوب شرق بغداد عاصمة لدولة الفرس حتى جاء ما يعرف بالفتح الإسلامي لبلاد العراق والشام على يد عمر بن الخطاب. وبقى العراق في حكم المسلمين حتى بنيت المدينة المدوّرة بغداد على عهد الحاكم العباسي المنصور، ثم أصبحت بغداد عاصمة للخلافة العباسية واعتبر ذلك العهد بالعصر الذهبي للحضارة الإسلامية. وفي عام 1920 أعلن ظهور أول حكومة مؤقتة في العراق بعد زوال حكم الدولة العثمانية، وبدأ عهد المملكة العراقية، ثم تحول إلى الحكم الجمهوري.
حضارات بلاد ما بين النّهرين :
كان قيام الحضارة في بلاد ما بين النّهرين - بلاد الرّافدين - قد ظهر على مراحل متعاقبة، وقد سمّيت هذه المراحل بحسب المدينة الّتي ظهرت فيها، وهي مرتّبة كالآتي: أولاّ حسونة، ومن ثمّ سامرّاء، وبعدها حَلف، تليها عبيد، والوركاء، وآخرها جمدة نصر. وقد نشأت على أرض بلاد الرّافدين مجموعة من الممالك العظيمة، وهذه الممالك هي
- مملكة السومريين :
المملكة السّومريّة هي أولى ممالك حضارات بلاد ما بين النّهرين، وهي أقدم حضارة في العالم. وقد اتّفق غالبيّة العلماء على أنّ السّكان الأصليين للعراق هم السّومريون، وقد عُرفت حضارتهم بحضارة العبيد، وامتدّت أراضيهم إلى جزيرة دلمون في الجنوب (البحرين). تُعرف لغة السّومريين بأنّها إحدى اللغات الملتصقة، وهي اللغات التي تكّون فيها كل كلمتين ملتصقتين ببعضهما البعض مفردة واحدة لها معنى يتوافق مع معاني كل كلمة فيها. وللحضارة السّومريّة ثلاثة أطوار أو عصور، فقد امتدّت من عام 2800 قبل الميلاد، وحتى عام 2400 قبل الميلاد، وعلى الرّغم من أنّ لكلّ عصر من هذه العصور خصائصه الّتي تميّزه عن غيره إلّا أنّه قد كان للسومريين على اختلاف عصورهم ابتكارات عديدةٌ تميّزهم عن غيرهم من الشّعوب، فقد برعوا في فنون العمارة وخصوصاً في بناء المعابد والقصور، كما تطوّر في عهدهم سَبك المعادن والنّحت، وكذلك التّعدين.
- المملكة الأكادية :
الأكاديّون هم قوم نزحوا من موطنهم الأم (شبه الجزيرة العربيّة)، وانتقلوا للعيش في العراق، ويُعتقد أيضاً أنّهم عاشوا في الفترة الّتي كان فيها السّومريّون في بلاد الرّافدين. إنّ بداية عهد المملكة الأكّاديّة كان عندما قام سرجون الأكادي بتوحيد العراق تحت راية واحدة، وقد استمر حكم سرجون الأكادي مدّة خمس وخمسين عاماّ قام خلالها بالعديد من الإصلاحات في الجيش وكذلك في نظام الحكم، وقد تميّزعهده بتطوّر كبير في الفنون والعمارة. ومن أهم ملوك الدّولة الأكاديّة بالإضافة إلى سرجون الملك (نرام - سين) الّذي حكم الدّولة الأكاديّة مدّة تصل إلى أربعين عاماً.
- المملكة البابلية :
بلاد بابل أو البابلية أو بابل تعني بالأكّدية (بوابة الإله)، وكان الفرس يطلقون عليها "بابروش" دولة بلاد ما بين النهرين القديمة. كانت تعرف قديما ببلاد سومر وبلاد سومر كانت تقع بين نهري دجلة والفرات (جنوب بغداد حاليا) بالعراق. فظهرت الحضارة البابلية ما بين القرنين 18ق.م. و6 قبل الميلاد. مركز هذا الإقليم هو مدينة بابل والتي مرّ عليها خلال فترات وجودها العديد من الشعوب والحكام.
وكانت بلاد بابل تقوم على الزراعة وليس الصناعة. وبابل دولة أسسها حمورابي عام 1763ق.م. وهزم حمورابي آشور في عام 1760 ق.م، وأصدر قانونه (شريعة حمورابي).
وفي عام 1603ق.م. استولى ملك الحيثيين مارسيليس على بابل. وبعد نحو أربعة مئة سنة استولى الآشوريون عليها عام 1240 ق.م. بمعاونة العلاميين. وظهر نبوخدنصر كملك لبابل (1245ق.م.- 1104 ق.م.). ثم دخلها الكلدانيون عام 721 ق.م. ثم دمر الآشوريون مدينة بابل للمرة الثانية في عام 689 ق.م.، إلا أن البابليين قاموا بثورة ضد حكامهم الآشوريين في عام 652 ق.م. وقاموا بغزو آشور عام 612 قبل الميلاد، واستولى نبوخدنصر الثاني على أورشليم عام 587 ق.م. وسبي اليهود عام 586 ق.م. إلى بابل. وهزم نبوخدنصر الثاني الفينيقيين عام 585 ق.م. وبني حدائق بابل المعلقة. ثم استولى الإمبراطور الفارسي قورش علي بابل عام538 ق.م. في زمن الملك الكلداني بلشاصر وضمها لإمبراطوريته.
أعظم ملوكها حمورابي (توفي عام 1750 ق.م.) والذي اشتهر بمجموعة القوانين المعروفة باسمه. وبعد حمورابي بفترة يسيرة أفل نجم هذه الإمبراطورية لتعود وتزدهر من جديد وتتسع رقعتها فتشمل فلسطين وتبلغ الحدود المصرية وذلك في الفترة التي سيطر خلالها الكلدانيون على بابل ابتداءً من عام 625 قبل الميلاد. ويطلق على الإمبراطورية البابلية في هذهِ المرحلة اسم " الإمبراطورية البابلية الثانية". ويعتبر نبوخذ نصر أعظم ملوك بابل (605-562 ق.م.) في عهدها الجديد هذا، وكانت آنذاك مطوقة بأسوار ضخمة ذات أبواب عريضة. وما هي إلا فترة قصيرة حتى سقطت بابل في يد كورش الثاني ملك الفرس (عام 539ق.م.). والحضارة البابلية من أعظم الحضارات القديمة. وقد حققت إنجازات ذات شأن في الفلك والرياضيات والطب والموسيقى
- المملكة الآشورية :
المملكة الآشوريةآ هي حضارة قامت في المدينة في شمال بلاد ما بين النهرين، وتوسعت في الألفية الثانية ق.م. وامتدت شمالاً لمدن نينوى، نمرود وخورسباد. ولقد حكم الملك شمشي مدينة آشور عام 1813 ق.م. واستولى حمورابي ملك بابل على آشور عام 1760 ق.م. إلا أن الملك الآشوري شلمنصر الأول استولى على بابل وهزم الميتانيين عام 1273 ق.م. ثم استولت آشور ثانية على بابل عام 1240 ق.م. وفي عام 1000 ق.م. استولى الآراميون على آشور، لكن الآشوريين استولوا على فينيقيا عام 774 ق.م. وصور عام 734 ق.م. والسامرة عام 721 ق.م. وأسر سرجون الثاني اليهود في أورشليم عام 701 ق.م. وفي عام 686 ق.م. دمر الآشوريون مدينة بابل وثار البابليون على حكم الآشوريين وهزموهم بمساعدة ميديا عام 612 ق.م. شن الآشوريون حملاتهم على باقي مناطق سوريا وتركيا وإيران.
وكانت مملكة آشور دولة عسكرية تقوم على العبيد، وكان لها إنجازات معمارية وصنع التماثيل ولاسيما تماثيل الثيران المجنحة التي كانت تقام أمام القصر الملكي، وزينت الجدران بنقوش المعارك ورحلات الصيد. وما بين سنتي 883 ق.م. و612 ق.م. أقامت إمبراطورية من النيل للقوقاز، ومن ملوكها العظام: آشوربانيبال، تغلات فلاسر الثالث، سرجون الثاني، سنحاريب، آشور ناصربال الأول، وآسرحدون (والد آشور بانيبال) الذي كان مهووساً بحب إذلال الملوك حيث كان يجبر الملوك التابعين له على المجيء إلى عاصمته والعمل في ظروف قاسية لبناء قصوره في نينوى، وآخر ملوك آشور المدعو آشور أوباليط الذي أقام مقر قيادة مؤقت في حران (الجزيرة الفراتية) بعد سقوط نينوى بيد البابليين بقيادة نابو بولاصر الكلداني محاولاً تأخير المذبحة الشاملة للشعب الآشوري. وكانت كتابة الآشوريين الكتابة المسمارية التي كانت تكتب على ألواح الطين، وأشهر مخطوطاتها ملحمة جلجماش التي ورد بها الطوفان لأول مرة. وكانت علومهم مرتبطة بالزراعة ونظام العد الحسابي السومري الذي عرف بنظام الستينات وكانوا يعرفون أن الدائرة 60 درجة، كما عرفوا الكسور والمربع والمكعب والجذر التربيعي، وتقدموا في الفلك وحسبوا محيط خمسة كواكب، وكان لهم تقويمهم القمري وقسموا السنة لشهور والشهور لأيام، وكان اليوم عندهم 12 ساعة والساعة 30 دقيقة. وكانت مكتبة الملك آشور بانيبال من أشهر المكتبات في العالم القديم حيث جمع كل الألواح بها من شتى مكتبات بلاده.
الآشوريون هم من الأكديين الذين قطنوا المنطقة الشمالية من حوض نهر دجلة، بعد الهجرة من منطقة بابل خلال العهد الأكدي. اختلط الأشوريون مع الشعوب الجبلية الحيثيين والحوريين واستعبدوا الآراميين (قبيلة الأخلامو والنبط) وقبائل العريبي أو الأعربي (قبائل قيدار وقيدم وجندبو وسبأ وثمودي) والكلدان.
معلومات تم تجميعها من موسوعة ويكيبيديا و موسوعة موضوع و موسوعة معرفة
الإبتساماتإخفاء