خير الدين بربروس، حكاية القرصان الجزائري الذي أصبح ملك البحار
خير الدين بربروس باشا (بالتركية: Barbaros Hayreddin Paşa)، (ميلاد: 1470 في جزيرة ميديللي - وفاة: 5 يوليو 1546 في إسطنبول)، ناظر (وزير) البحرية، قائد القوات البحرية، والي الجزائر. اسمه الأصلي خضر بن يعقوب وعُرف باسم خضر ريّس (ريّس لقبٌ لقباطين البحر)، ولَقَّب بخير الدين، وعُرف في أوروبا ببارباروسا أي ذي اللحية الحمراء (barba: لحية، rossa: أحمر)، إذ إن الأوروبيين لقّبوا أخاه الأكبر عروج ريس باسم عروج بارباروسا بسبب لحيته الحمراء، وبعد استشهاده أطلقوا الاسم ذاته على خضر شقيقه من بعد.
هو أحد أشهر قادة الأساطيل العثمانية إن لم يكن أشهرهم طُرّاً، وأحد رموز الجهاد البحري. أهم مساعديه ابناه الريّسان "حسن الكبير" (بيوك حسن) و"حسن الصغير" (كوجوك حسن). تحت إمرة أخيه عُرُوج أسهم في غزواتٍ بحريةٍ عديدةٍ بما فيها إنقاذ عشرات الآلاف من الموريسكيين المضطهدين من إسبانيا، ثم تولى القيادة بنفسه بعد استشهاد أخيه. عقب استنجاد أهلها بهما ضد الإسبان أسس مع أخيه عروج دولةً عاصمتها الجزائر مالبثا أن ضمّاها ولايةً إلى الدولة العثمانية. تولى منصب حاكم إيالة الجزائر (1518) بعد استشهاد أخيه بإلحاحٍ من أعيان مدينة الجزائر. جمع مع ولاية الجزائر بأمر السلطان سليمان القانوني قيادة جميع الأساطيل البحرية للدولة العثمانية (1533) فانتقل إلى إسطنبول حيث بات مسؤولاً عن رسم وتنفيذ الاستراتيجية البحرية للدولة، وإليه يعود الفضل في إرساء السيادة العثمانية المطلقة على البحر الأبيض المتوسط لثلث قرنٍ على الأقل عقب معركة بروزة (1538) حتى باتوا يشيرون له "بالبحيرة التركية" (بالتركية: Türk Gölü).
ذاعت شهرته بسبب غزواته البحرية العظيمة، وهزائمه التي ألحقها بالدول الأوربية وكانت ذروتها معركة بروزة الحاسمة على تحالفٍ من سبع دولٍ أوروبية. أهم انتصاراته كانت على الإمبراطور الروماني المقدس والملك الإسباني كارلوس الخامس (شارلكان). وضَع نظام السياسة البحرية العثمانية ونظَام أحواضِ بناء السفن العثماني "الترسانة العامرة". توفي ودُفن في مدفنٍ خاصٍّ في منطقة بشكطاش مجاورٍ حالياً للمتحف البحري في إسطنبول.
حصار نيس الفرنسية :
بواسطة Aimelaime - عمل شخصي وCC BY-SA 3.0 وhttps://commons.wikimedia.org/w/index.php?curid=18327480 |
في 5 غشت (أغسطس) من العام 1543 أقلع بربروس لاحتلال نيس وبإمرته الأسطول الفرنسي في خمسين سفينةً وقائده حاكم مرسيليا فرانسوا دي بوربون (كونت إنجيان) والذي كان فشل في احتلالها بمواجهة أندريا دوريا. أراد فرانسوا الأول احتلال نيس -التابعة لدوقية ساڤوا- لأن الدوق شارل الثالث (1486-1553) تزوج ابنة ملك البرتغال -بنت أخت شارلكان- مما عنى بالنسبة له انحياز هذا الأخير إلى الحلف المعادي. لم تصمدِ المدينة طويلاً من 6 غشت (أغسطس) وحتى 22 منه (بلغ ذروته يوم 15 منه) لضعف دفاعاتها على مايبدو، لكنّ القلعة لم تسقط بسبب تخاذل الفرنسيين في إمداد حلفائهم بكمياتٍ كافيةٍ من البارود ما أغضب خير الدين حتى وبّخهم قائلاً: "أأنتم بحارةٌ لكي تملؤوا البراميل بالنبيذ بدل البارود؟!!".
ويظهر أن الأهالي والحامية أبلَوْا حسناً في الدفاع، ومنه تدمير الأهالي لجسرٍ حيويّ. وأدت هذه الحوادث على مايبدو إلى ظهور قصة كاترين سيجوران (بالإنجليزية: Catherine Segurane) وكانت امرأةً تمتهن غسل الثياب ابتدعتها المخيلة الشعبية تقود الأهالي في المعركة وتلهب الخيال الشعبي للمقاومة، وحسب الرواية الشعبية فإنها ضربت جندياً بمضرب الغسيل واستخلصت العلم منه. على أن الأهم في أصل الرواية أنه لاتوجد أدلةٌ على وجود هذه المرأة، فحتى المؤرخ جان بادات الذي شهد الحصار لم يأتِ على ذكرها، وتبدو قصتها مختَلَقَةً أو جدُّ مبالغٍ فيها، لكنها مع الزمن استقرت في الذاكرة الشعبية حتى أقاموا لها نصباً تذكارياً عام 1923، ويحتفل سنوياً بذكراها في يوم القديسة سانت كاترين (25 تشرين الثاني/نوفمبر).
فك الحلفاء الحصار عن قلعة نيس بمجيء دوق سافوا على رأس جيشٍ وانسحبوا من المدينة في سبتمبر(أيلول) 1543. أغار بربروس بعد ذلك على كان وموناكو وسان ريمو غرب جنوا، وأخلى فرانسوا الأول طولون لتصبح قاعدةً للحملة العثمانية لقضاء الشتاء، فحُوّلت كاتدرائية سانت ماري إلى مسجدٍ، واستعمل الجند نقدهم العثماني في المدينة في تعاملاتهم. وكما في حصار كاستيلنوڤا فقد استنفرت حملات التجييش الشعبي -التي لم تك قصة كاترين سيجوران إلا مثالاً لها- عبر الكنيسة خاصةً بوسائلها الإعلامية المؤثرة ضد العثمانيين "الهمج" "أعداء الحضارة والإنسانية"، وضُخّمت المشاركة الشعبية -التي شحنها الإعلام- لتسهم في صياغة رأيٍ عام يتكتّلُ في مواجهتهم ويحاول شيطنتهم، فمن ذلك ما أشيع مثلاً بأن العثمانيين اقتلعوا أثناء إقامتهم في طولون أجراس الكنائس. وكان من أثر هذا تواني الجند الفرنسيين خلال العمليات العسكرية في التعاون مع الحملة العثمانية، وهو ما كان مؤثراً في حصار قلعة نيس.
في الأثناء توفي في نوفمبر(تشرين الأول) 1543 حسن باشا والي الجزائر (منحه السلطان الباشوية ولقب "الغازي" بعد هزيمة الصليبيين على أسوار الجزائر) فاختير مؤقتاً الحاج بكر الذي أبدى بسالةً نادرةً أثناء الغزو الصليبي كقائدٍ للمتطوعة من المهاجرين الموريسكيين حتى يونيو/حزيران 1544 عندما عين خير الدين ابنه حسن نائباً له على الجزائر.
ربيع 1544 غزا خير الدين سان ريمو ثانيةً، وبعدما هزم أسطولاً إسبانياً-إيطالياً مشتركاً أغار بضراوةٍ على مملكة نابولي، ثم أبحر شمالاً نحو جنوا وهدد بمهاجمتها مالم يُفرج عن طرغود ريس الذي أسر في غارةٍ له على كورسيكا عام 1540 وأجبر على التجديف في سفينةٍ جنويةٍ قبل أن ينقل ليسجن في جنوا. دعاه أندريا دوريا إلى قصره حيث انتهت المفاوضات بينهما عن الإفراج عن طرغود ريس مقابل فديةٍ ثلاثةِ آلافٍ وخمسمئة دوقةٍ ذهبية. ثم صد عدة هجماتٍ إسبانيةٍ على جنوبي فرنسا قبل إنهاء مهمته لإبرام فرانسوا الأول معاهدةً مع شارلكان (18 سبتمبر/أيلول 1544م). في إيابه غزا سان ريمو للمرة الثالثة في مايو قبلما تصالحه جمهورية جنوا على مبلغٍ كبيرٍ لوقف غاراته. وفي يونيو/حزيران ظهر بأسطوله أمام جزيرة إلبا واحتل مدينة بيومبينو (على البر الإيطالي- 20كم شرقي إلبا) وقصف حصنها متوعداً طالباً إطلاقَ سراحِ ابن سنان ريس وكان أسر (حوالي 1540) في سفينةٍ وعمّده وتبناه سيد جزيرة إلبا لكنه اضطر لإطلاقه عندئذٍ. بعد أسابيعَ من الهجمات على مدنٍ إيطاليةٍ عدةٍ هاجم سواحل سردينيا فخليج نابولي وأجبر جيانتينو ابن أندريا دوريا على الهرب بعمارته (ثلاثين قادساً) والاحتماء في مسّينا، ثم هاجم عدة مدنٍ على البحر التيراني وأنهاها بقصفٍ لخمسة عشر يوماً على قلعة مدينةٍ قرب مسّينا (صقلية) فدمرها واحتلها قبل أن يكمل رحلته إلى إسطنبول.
كان من نتائج الحملة أن كرست الأسطول بمنزلة الذراع الطويلة للدولة العثمانية في البحر الأبيض المتوسط.
مقاومة النفوذ الإسباني :
وكان الأخوان بربروس يمارسان القرصنة بالفعل في البحر الأبيض المتوسط عندما بسطت إسبانيا سيطرتها على قرطبة عام 1492 لتهزم آخر دويلة إسلامية في شبه الجزيرة الأيبيرية، فانتقل السكان المسلمون إلى شمال إفريقيا.
وفي عام 1505 كان الإسبان والبرتغاليون يتطلعون إلى تحقيق توسع إقليمي في شمال إفريقيا، فشنوا هجمات على المدن الساحلية للمنطقة.
وفي ذلك الوقت كان خير الدين وعروج يمارسان القرصنة بتوجيهات من كوركود، نجل السلطان العثماني بايزيد الثاني، فكانا يعطلان حركة الملاحة الإسبانية والبرتغالية في غرب البحر المتوسط.
وبموت بايزيد الثاني عام 1512 دب صراع بين ولديه سليم وأحمد، ومع هزيمة أحمد تدفق أنصاره إلى شمال إفريقيا.
وفي ذلك الوقت أعدم السلطان سليم أخيه كوركود الذي لم يكن يثق فيه، فهرب الشقيقان بربروس إلى شمال إفريقيا ليبتعدا عن حاكم من الواضح أنه معاد لهما، وانضما إلى جهود تلك المنطقة في مقاومة النفوذ الإسباني.
وفي خلال السنوات الثلاث التالية برز اسم الشقيقين بربروس في الحملات البحرية المناوئة للإسبان والبرتغاليين في غرب المتوسط.
دولة القراصنة :
وفي عام 1516 شن الشقيقان هجوما على مدينة الجزائر التي بسط عروج سيطرته عليها.
وقد اعترف العثمانيون بهذه التطورات الجارية على الأرض في شمال إفريقيا وعرضوا الدعم المالي والسياسي على الأخوين الأمر الذي مكنهما من تعزيز مكاسبهما.
ثم عرضت الدولة العثمانية منصب حاكم الجزائر على عروج ومنصب أمير البحر في غرب المتوسط على خير الدين ولكن لم يكن اندماج الشقيقين تاما في الدولة العثمانية.
وفي عام 1518 لقي عروج حتفه في قتال الإسبان الذين استعادوا السيطرة على مدينة الجزائر، وفي ذلك الوقت تقدم خير الدين، الذي حمل لقب بربروس، لقتال الإسبان وطلب مساعدة العثمانيين ونجح في السيطرة مجددا على المدينة التي تحولت تدريجيا لأول دولة للقراصنة والتي تنامى استقلالها العسكري والسياسي بمرور الزمن عن الدولة العثمانية.
وكان العثمانيون قد استخدموا الجزائر في وقت لاحق كقاعدة عمليات متقدمة لهم في غرب البحر المتوسط، وفي ذلك الوقت ارتبط بربروس رسميا بالدولة العثمانية.
وفي عام 1522 استولى السلطان العثماني سليمان القانوني على جزيرة رودس ونصب بربروس حاكما عليها.
وبعد استيلاء بربروس وقواته على تونس عام 1531 جعله القانوني الأدميرال الأكبر (قبطان باشا) للدولة الثمانية وصار يعمل رئيسا لأركان حرب البحرية العثمانية.
وكانت أعظم معارك بربروس البحرية انتصاره في بريفيزا (اليونان) عام 1538 على أساطيل فينيسا وجنوة وإسبانيا والبرتغال ومالطة ودولة البابا.
وكان سر انتصاره اعتماده على السفن ذات المجاديف بدلا من السفن الشراعية التي تعتمد على الرياح فتمتعت سفنه بقدرة أكبر على المناورة فنجح أسطوله الذي ضم 122 سفينة في هزيمة 300 سفينة للأساطيل المعادية.
وفتح له هذا النصر الطريق لسيطرة العثمانيين على طرابلس وشرق البحر المتوسط.
وبعد ذلك شارك بربروس في عدة حملات عسكرية من بينها مساعدة الفرنسيين ضد الإمبراطورية الرومانية المقدسة (إمبراطورية هابسبرغ) عام 1543 الذي شهد حصار شواطئ مدينة نيس، وعام 1544.
ثم توفي خير الدين بربروس في القسطنطينية عام 1546. بحسب دائرة المعارف البريطانية.
الإبتساماتإخفاء